توجه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قائلاً، “عندما كنت تلقي كلمتك مر في خاطري كل شهداء المقاومة اللبنانية التي انطلقت عام 1975 وتواصلت من فوج الى فوج، وكانت القوات اللبنانية في طليعتها. ومر ببالي كل الشهداء كل الذين أراقوا دماءهم على أرض لبنان ومن اجل لبنان ومن أجل أن نعيش بكرامة ومن أجل أن نحافظ على هذا الوطن والذي كان ثمنه دماء شهدائنا، فإنها مسؤولية في أعماقنا”.
كلام الراعي جاء خلال عشاء في دارة رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف على شرفه في مناسبة عيد القديس شربل، بحضور رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونائبي قضاء بشري ستريدا جعجع وجوزيف اسحق، محافظ الشمال رمزي نهرا، النائب البطريركي على جبة بشري المطران جوزيف نفاع، وقائمقام قضاء بشري ربى شفشق، رؤساء بلديات، مخاتير، قضاة، قادة أمنيين وعسكريين، ممثلي جمعيات وأخويات وحركات رسولية في المنطقة، عائلة الرئيس إيلي مخلوف، وحشد من الفاعليات الأهليّة. وقد جاء العشاء عقب قداس عيد القديس شربل الذي ترسه الراعي بمعاونة نفاع ولفيف من الكهنة، الذي حضره أيضاً رئيس “القوّات” ونائبا القضاء.
وقال الراعي، “هم ماتوا على خط النار لأجل لبنان ونحن مدعوون أن نضحي ونعمل، وان شاء الله تنتهي صفحة الاستشهاد ونحن مدعوون لنحمل الأمانة ومدعوون لشهادة واستشهاد روحي ومعنوي ووطني في سبيل لبنان”.
وشكر الراعي القديس مار شربل “الذي يجمعنا في هذه الدارة الكريمة دارة عزيزنا ايلي مخلوف وعقيلته والاسرة، والشكر لمار شربل الذي أراد أن يكون لقاؤنا حول المذبح كما حول المائدة المحبة والمحببة، وشكراً لأستاذ ايلي وعقيلته ولوالديه على هذا اللقاء وعلى هذه المائدة التي تجمع أكثر فأكثر الروابط الاجتماعية التي تجمعنا أصلاً”.
وقال الراعي، “نعم القديس شربل ابن بقاعكفرا وابن بشري وابن هذا الوادي والجبل المقدس، يشفع بنا من السماء ولا يتركنا، ويفتح امامنا دائماً أبواب الرجاء. وأنا أقول اذا كانت هذه الفكرة الجديدة التي ولدت في 5 تموز وهي قضية نظام الحياد اللبناني الناشط والفاعل، فتعود لشفاعة مار شربل لأننا في كل مساء منذ 17 تشرين الأول 2019 ونحن نصلي سبحة العذراء ونستشفع بالقديس شربل الذي أعطانا جواباً من السماء، ولهذا ولّدت الفكرة في القلوب كثير من الرجاء والأمل وهذا صوت الشعب كله، وهي نعمة لكل اللبنانيين، مسلمون ومسيحيون من كل أحزابهم وطبقاتهم لأنها خشبة الخلاص لنا جميعنا من الواقع المر الذي نحن فيه”.
وتابع الراعي، “اذا راجعنا تاريخنا منذ مئة عام لغاية اليوم وهو تاريخ سريع من محطات، وفي أيلول 1920 كانت ولادة لبنان وكانت ولادة شاءها اللبنانيين ولم يكن هناك اجماع ولكن كان هناك عقد، عقد وجود الكيان اللبناني، فكان الدستور اللبناني المميز عن كل دساتير المنطقة. ثم عام 1943 كان هناك عقد آخر من الميثاق الوطني، عقد السيادة والوحدة والعيش معاً وانطلقنا بهاتين القوتين، الدستور والميثاق واستطعنا أن نتجاوز محطتين خطيرتين في لبنان محطة عام 1952 وهي فكرة الوحدة العربية المصرية السورية ولكن تجاوزناها بقوة، ثم مع الحرب اللبنانية المشؤومة تجاوزنا كل مشاريع التقسيم وكانت الصحف تطلع علينا كل يوم بمشاريع التقسيم وتجاوزناها بقوة دستورنا وميثاقنا أي بقوة الاستقلالية والسيادة والوحدة.
وأضاف الراعي، “عندما مررنا بالظروف الصعبة، كان مثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير قائد الحركة الجديدة من أجل استعادة هذا الاستقلال وهذه الوحدة وهذه السيادة. واليوم شاءت العناية الالهية أن نحتفل بالمئوية بعقد جديد اسمه عقد نظام حياد لبنان أي عقد استعادة كل قوة استقلالنا ووحدتنا وسيادتنا، وهي عطية من السماء، ولأنها عطية من السماء ولّدت الكثير من الارتياح والرجاء والفرح في قلوب الناس”.
وعاد الراعي وتوجه بالحديث الى جعجع قائلاً، “حكيم تكلمت عن وجع الناس، عن الجوع والعطش والبطالة، نعم أصبحنا بحالة يرثى لها ولكن عندما أطلت عليهم فكرة العقد الجديد، فكرة لبنان الذي يستعيد قوته بنظام حيادي، نسوا جوعهم ونسوا وجعهم وخيبات آمالهم ولكنهم لم يشبعوا، وهذه مسؤوليتنا جميعاً ان نزرع الرجاء والفرح ونعم هناك نافذة امل علينا ان نرى النور من خلالها”.
وشكر الراعي “ربنا لأن معظم الشعب اللبناني يسير في هذا العطاء الإلهي وهو ليس طرحاً سياسياً ولا فئوياً ولا طائفياً ولا طرحاً شخصياً، هذه حياة جديدة نستكمل بها تاريخنا المجيد وهذه عطية من السماء في يوبيل المئة سنة للبنان”.
وأشار الراعي إلى أنه “علينا ان نكمل الطريق مع جميع اللبنانيين ونحن بحاجة لشرح أكثر باعتبار أن ليس كل الشعب يدرك مفهوم لبنان”، مطالباً بـ”تشكيل لقاءات وحوارات وبحاجة لكي تنظم الجامعات حوارات فكرية من قبل الجميع لكي تمر فكرة الحياد وليفهمه الجميع وندرك ان فيها شرفنا جميعاً ورسالتنا جميعاً ونموذجيتنا جميعاً لأن لبنان لا يمكن أن يكون رسالة كما أراده القديس البابا يوحنا بولس الثاني نموذجاً، ولا يمكن أن يكون لبنان أكاديمية الانسان للقاء وحوار الحضارات والثقافات التي قررتها الأمم المتحدة في عام 2019 اذا بقي في الحالة التي نعيش فيها مشرذمين معزولين عن العالم العربي والغربي، وهي مسؤوليتنا يجب أن نحملها بكل محبة وإخلاص وبكل تضامن مع كل اللبنانيين”.
ورأى الراعي أن “خلاصنا بهذا النظام الجديد الذي يستكمل العقدين السابقين، العام 1920 و1943 بالميثاق واليوم عقد نظام حياد لبنان الذي هو أساس الاستقرار السياسي وبالتالي النهوض الاقتصادي والاستقرار”.
وشكر الراعي الحاضرين وجعجع، قائلاً، “مطرح ما منشوفك منشوف العيد كتير كبير”.
من جهته، أشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى أن “العناية الإلهية شاءت ان نلتقي اليوم بمناسبة عيد مار شربل في بقاعكفرا بالذات الذي نحتفل به بمباركة غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في الوقت الذي يمر فيه شعبنا بأقصى محنة عرفها في تاريخه الحديث، والتي تستدعي عجيبة من اعاجيب مار شربل للخروج منها، وهو بدأ فعلاً العمل ولكن على طريقته من خلال البقية الصالحة الباقية في هذه البلاد. إن الله وقديسيه وكما دائماً يقوّمون اعوجاج التاريخ من خلال بقية باقية وهذه المرة الأمر نفسه”.
وأضاف جعجع، “بعد استفحال الازمة وبلوغها مستويات خطيرة، مواطنون ينتحرون، وآخرون يجوعون، وأكثرية تفتقر، وأعمال تتعطل ومؤسسات تنهار، وبطالة تستشري، والأسوأ من ذلك كله من دون أي ردة فعل أو تحرك أو حركة جدية من قبل الممسكين بقرار الدولة، وكأنهم في عالم آخر، على كوكب آخر، لا يشعرون بوجع الناس، يكملون بالطريقة نفسها والنهج نفسه وكأن لا أزمة ولا جوع ولا بطالة ولا انهيار ولا مواطن يئن”.
وتابع جعجع ، “أضحى المواطن في عتمة كاملة، عتمة مادية وعتمة معنوية ونفسية وكأنه لا غد له وكأن الشمس لن تشرق من جديد، وإذ في خضم كل ذلك يسمع صوت صارخ في البرية التي نعيش، ينادي من أعماق التاريخ والحاضر والمستقبل، كفى كفى كفى، هذا شعب الله بمسيحييه ومسلميه يتلوى ويتعذب وآن الأوان لوضع الاصبع على الجرح والذهاب الى الأسباب الحقيقية للأزمة التي نعيش، ومصارحة الجميع فيها في سعي صادق وشفاف وحقيقي لمواجهتها. فخامة رئيس الجمهورية نناشدك العمل على فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر”.
وتوجه جعجع الى منظمة الأمم المتحدة طالباً منها “العمل على إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته وتطبيق القرارات الدولية واعلان حياده، هذا الصوت كان صوت أبينا مار بشارة بطرس الراعي، وهكذا أعاد التاريخ نفسه مرة من جديد وقامت بكركي تحمل صليب لبنان واللبنانيين وأضحت محط آمالهم جميعاً”.
وشدد على ان “لبنان وطننا ولن نتركه، لن نتركه لأصحاب المشاريع غير اللبنانية الذين رهنوا لبنان، أرضاً ودولة وإمكانيات، في سبيل غايات وأهداف لا علاقة لا للبنان ولا لمصالح اللبنانيين فيها، فانتهى لبنان يتيماً في منطقته بالذات، وتائهاً في أصقاع الأرض لا يعرفه أحد ولا يريد احد ان يتعرف إليه حتى من أعز أصدقائه التاريخيين. لن نتركه لتجار الهيكل، أكلة الجبنة، الفاسدين النتنين الذين تسلقوا الى مراكزهم على ظهر النار وبشعارات براقة ليعودوا بعدها ويطعنوا الناس، حتى ناسهم بالذات وكل اللبنانيين طعنات مميتة من خلال أسوأ ممارسة عرفها لبنان على مستوى السلطة أدت الى افقار اللبنانيين وتجويعهم وشل مؤسساتهم على أنواعها، التربوية والصحية والصناعية والزراعية والتجارية والسياحية ووضعتها على طريق الانهيار”.
وأضاف جعجع، “هذا وطننا ولن نتركه، لقد انطلقت مسيرة إعادة عقارب الساعة الى الوراء والتي هي الى الامام في حالتنا نحن، من خلال وضع الاصبع على الجرح. هذا الصوت الصارخ في البرية سيتحول رويداً رويداً الى كرة ثلج ستنظف لبنان من كل الاوساخ العالقة فيه تمهيداً لقيام لبنان الذي نعرف ونريد، ولقيام جمهورية قوية يكون لها وفيها كل القرار، جمهورية فعلية لا صورية، جمهورية قانون ومحاسبة، جمهورية خالية من الفساد والمفسدين، جمهورية قادرة تنكب على حل مشاكل اللبنانيين من النفايات الى سعر صرف الليرة وما بينهما، جمهورية نعود فخورين بجواز سفرها وبالانتماء اليها، جمهورية “نيال مين إلو مرقد عنزة بلبنان”، وجمهورية تعمل على إعادة حقوق اللبنانيين وودائعهم وحياتهم الرغيدة التي طالما اشتاقوا اليها”.
ولفت جعجع الى أنه، “كان واضحاً التفاف السواد الأعظم من اللبنانيين حول صرخة ابينا البطريرك واستعدادهم للقيام بأي شيء وكل شيء لترجمتها واقعاً ملموساً على الأرض، ونحن كقوات لبنانية في طليعة هذا السواد الأعظم ونشعر ان من واجبنا ان نكون المبادرين عبر خطوات عملية تترجم صرخة ابينا الراعي وسيكون لنا في الاسابيع المقبلة خطوات سياسية عملية في هذا الاتجاه”.
وتوجه إلى الراعي، “غبطة أبينا، من هنا من بقاعكفرا ووادي القديسين وجبة بشري، المنطقة التي انتمي اليها، والتي هي عنوان كبير للإيمان والحرية والمقاومة اللبنانية الحقة، أدعو لكم بطول العمر وليعطنا الله جميعاً الإيمان والصلابة والقوة لتحويل هذه الصرخة في البرية نشيد سلام في ربوع لبنان ينتشل اللبنانيين من محنتهم الحالية ويعيد اليهم لبنان الذي طالما احبوه وتاقوا اليه، والله ولي التوفيق والسلام”.