أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “الجرح النازف في الشرق الأوسط هو سوريا والقول إن الحل يكمن في الذهاب باتجاه إجراء إنتخابات فهو لا يعدو كونه محاولة للتخلص من المشكلة بأي ثمن كان”، مشيراً إلى أنه “لا إمكانية لتنظيم أي إنتخابات في الظروف الحاليّة حيث سوريا تشهد دماراً شاملاً. فمن يعتقد أن إجراءها في ظل هذه الظروف سينهي الأزمة فهو مخطئ جداً باعتبار أن الأمور ستعود للإنفجار في فترة لا تتعدى الستة أشهر أو السنة على أبعد تقدير. والحل الوحيد يكمن في تعيين سلطة إنتقاليّة من خارج القوى المتقاتلة وبرعاية دوليّة ما يتيح الفرصة أمام النازحين السوريين بالعودة إلى ديارهم ودفن موتاهم وبعد عدّة سنوات عندما تعود عجلة الحياة للدوران في سوريا عندها نجري الإنتخابات”.
مواقف جعجع أتت خلال رعايته مؤتمر “مستقبل الشرق الأوسط وتداعياته على السياسة الخارجيّة والأمن في أوروبا”، الذي نظمه “معهد الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الإستراتيجيّة” بالتعاون مع مركز “ولفرد مارتنز للدراسات الأوروبيّة” في معراب في حضور النواب: عماد الحوت، جوزيف المعلوف وشانت جانجنيان، ممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي العقيد جوني داغر، ممثل مدير عام أمن الدولة العقيد بيار براك، ممثل مدير عام الأمن العام العميد جوزيف طوبية، ممثل مدير المخابرات الرائد شربل فخري وحشد من الفاعليات الديبلوماسيّة، السياسيّة، الإعلاميّة والمجتمع المدني.
جعجع قال: “ما نحتاجه في الشرق الأوسط هو استقرار جدي لا يمكن أن نصل إليه إلا عبر معالجة عميقة للقضايا المطروحة، فعلى سبيل المثال تتعاطى روسيا والولايات المتحدة مع الأزمة السوريّة على أساس محاولة إنهاء الأزمة باسرع وقت وأقل جهد ممكنين وهذه بنظري جريمة وكارثة على البشريّة جمعاء. فمهما كانت الأسباب الموجبة من أجل الإبقاء على نظام بشار الأسد، الذي تسبب بمقتل 600 ألف شخص وهدم بلد بأكمله واستعمل السلاح الكيميائي ضد شعبه فهو أمر غير مبرّر أخلاقياً. وهذا الموقف لا ينطبق فقط على الأسد وإنما على أي رئيس يقوم بما قام به هو”، مشدداً على أنه “عندما تنتفي المواقف السياسيّة الأخلاقيّة فعلى الدنيا السلام”.
وتابع جعجع: “أنا لا أطلب من الدول الإنغماس في الحرب السوريّة إن كانت غير قادرة على ذلك وإنما جل ما أطلبه هو مجرّد موقف أخلاقي من قبلها. وفي هذا الإطار اريد الإشارة إلى ان أسوأ ظاهرة شهدتها البشريّة هي تنظيم “داعش” وقد تجندت البشريّة لمحاربته بعد أن انتشرت فيديوهات الجرائم المقززة الذي كان يرتكبها إلا أن هذا العالم غض النظر عن من يلقي على شعبه القنابل الكيميائية في الغوطة الشرقيّة ويقتل 1500 شخص في لحظة واحدة لمجرّد عدم وجود صورة أو فيديو مصوّر للمجزرة”.
وشدد جعجع على أن “مفهوم الدولة العلمانيّة عريض جداً، وبنظري يجب ألا يكون هناك علاقة بين المؤسسة الدينيّة ومؤسسة الدولة إلى أن ذلك لا يعني عدم التعاون بين الفكر الديني والفكر العلماني”، معتبراً أن “لا فكراً سياسياً يمكن أن يقوم من دون قيم ما، التي هي أبعد مما يوحي له بعض العلمانيين”.
وقال جعجع: “بخلاف التشاؤم الذي نشهده بالنسبة لنتائج الربيع العربي فأنا ضد هذه النظرة. لأنه عبر التاريخ لطالما كانت الثورات تستغرق مئات السنين لتصل إلى نتائجها المرجوّة، وعلى سبيل المثال الثورة الفرنسيّة. لذا أنا لا أتوافق مع من يستهزء بالربيع العربي لأننا شهدنا تغييراً ما حصل في المنطقة ومن المؤكد ستفضي إلى نتائج في المستقبل. وفي هذا الإطار أريد أن أتطرق إلى المسألة الليبيّة حيث أعتقد أن تدخل الدول الأوروبيّة فيها أتى في مكانه من أجل إنهاء نظام قائم كان يمنع الشعب الليبي من التقدم والتطوّر. وعندما تحرّر هذا الشعب ذهبت كل مجموعة منه باتجاه وذلك لتعدد الإتجاهات الفقهيّة، الدينيّة والقبليّة فيه ما ادى إلى صراعات كبيرة في ليبيا ونحن علينا أن تعمل على الحد من هذه النزاعات على ما تقوم به الامم المتحدة”.
وآثر جعجع على التأكيد أن “للتاريخ مسار ولا يمكننا أن نحكم عليه ونختصره”، معلناً أنه “ضد نظريات المؤامرة في مقاربة السياسة الأوروبية”. وأضاف: “إن المشكلة الأساس في هذا الموضوع أن الأوروبيين انصرفوا إلى الأعمال البيئيّة والإقتصاديّة بعد إنتهاء الحرب العالميّة الثانية التي كانت سبب كرههم للسياسة وذلك انطلاقاً مما عانوه خلالها من مآس”.
وتابع: “ليس هناك اليوم قيادة أوروبيّة واضحة. وإن كانت المجتمعات مجرّد كميات إستهلاكيّة فالسياسة الأوروبية الحاليّة صحيحة إلا أنه أذا كانت هذه المجتمعات مجموعة من الكائنات التاريخيّة الحيّة فما يقومون به هو خطأ جسيم. فأنا معجب بنظريّة هيغل للتاريخ الذي يقول إن للتاريخ مسار واضح ولا بد أن يسقط أي شيء يأتي بعكسه. فعلى سبيل المثال مفهوم العبودية سقط لأنه عكس التاريخ”.
ودعا جعجع إلى أن “نتحمل مسؤولياتنا لأن الهروب إلى الأمام لا يعني أن الازمة انتهت فالمشكلة في السياسة الأوروبيّة هي النقص في القيادة التاريخيّة. فالغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص لديهم مفهوم مغلوط للإستقرار وهذا على خلقيّة عدم تحمّلهم المسؤوليّة. فعلى سبيل المثال الإستقرار مع صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد ليس باستقرار فعلي وإنما شكلي ظاهري إذ إنه يغطي براكين من عدم الإستقرار التي ستنفجر لاحقاً بشكل أقوى”.
وختم جعجع شاكراً المشاركين في المؤتمر وخصوصاً اعضاء مركز “ولفرد مارتنز”.
وكان قد انقسم المؤتمر إلى جلستين، استهلت الاولى، التي حملت عنوان: “مستلزمات إستقرار مستدام في الشرق الأوسط”، بكلمة لمدير “معهد الشرق الأوسط” د. إيلي الهندي رحب فيها بالحضور، مشيراً إلى أهميّة هذا المؤتمر لما يحمله من محاور مهمة في النظرة إلى مستقبل الشرق الأوسط. وادار الجلسة مدير السياسات في مركز “ولفرد مارتنز”، وتحدث خلالها رئيس وزراء سلوفاكيا السابق رئيس مركز “ولفرد مارتنز”ميكولاس دزوريندا، الذي أعرب عن سروري لمشاركته في هذا المؤتمر وعلى وجوده في لبنان هذا الوطن الذي لعب دوراً مهماً على مرّ العصور. كما عرّف عن مركز “ولفرد مارتنز” المركز الأساس لحزب “الشعوب الأوروبيّة” الذي يضم الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان الأوروبي، موضحاً أن الهدف الأساس لمركز “ولفرد مارتنز” هو نشر أفكار اليمين – الوسط والإستجابة للتحديات الأوروبيّة والدوليّة.
ولفت دزوريندا إلى أنه على كل فرد في المجتمع أن يحوز على جزء من القوّة المجتمعيّة انطلاقاً من هنا تعزز اوروبا مبادئ حقوق الإنسان ومن ضمنها الحق في التصويت والإنتخاب الذي يشكل الركيزة الأساس للوصول إلى مبدأ تداول السلطة، مشدداً على أن تعزيز التعدديّة هو الحل الوحيد من اجل الوصول إلى السلام الناجز في منطقة الشرق الأوسط.
وطرح دزوريندا في كلمته إشكاليات أساسيّة مرتبطة بمستقبل الشرق الأوسط، سائلاً: “ما هي الخطوات التي يجب اتخازها في سوريا من أجل تسهيل عودة النازحين؟ ما هي السياسة التي يجب اعتمادها من أجل تحسين العلاقة بين المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران؟ ما هي السياسة التي سيعتمدها الإتحاد الأوروبي والأسرة الدوليّة في ليبيا واليمن؟ ما هي الخطة من أجل استئصال الإرهاب ودرئه؟ كيف سيتم إعادة إعمار البلدان التي تأثرت بالحروب؟ كيف يمكننا تعزيز التنميّة في الشرق الأوسط؟ كيف يمكننا الدفع باتجاه التسامح الديني بين مختلف الأديان؟”.
من ناحيتهـ استهل استاذ العلاقات الدوليّة د. شاهين بالتعريف بمفهوم الإستقرار الذي يكمن في الحفاظ على الوضع الراهن القائم. وقال: “قد يشعر معظمنا المضادة للرغبة في الاستقرار. نحن بالتأكيد نسعى إلى التصعيد نحو الهدوء، وربما حتى السلام، إذا كنا من كبار الحالمين في الشرق الأوسط”.
وتابع: “يبدو أن واقع الشرق الأوسط يتغير باستمرار. فالعلاقة بين التنمية والديمقراطية والاستقرار هي محور العديد من الدراسات والنظريات. ومن أبرزها التبعية، والنظام الرأسمالي العالمي، والتحديث والتطوير”، مشدداً على “إيلاء اهتمام خاص للفترة الانتقالية الحرجة من التنمية والديمقراطية”. وأضاف: “إن هدف الاستقرار هو تحقيق الأمن الإجتماعي الذي من خلاله يمكن إنشاء طبقة وسطية محصّنة الاتجاهات نحو التحول الديمقراطي. هذا يتماشى مع النموذج التشيلي / الصيني للتنمية التدريجية على نظرية الانفجار الكبير للتحول الفوري كما عرضته روسيا ودول شرق أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة”.
ورأى غيث أن “المتطلبات الأخرى للاستقرار المستدام قد تفسر نجاح دول أوروبا الشرقية مقابل فشل دول الربيع العربي. فالوضع مختلف جداً في المجتمعات التعددية حيث تلعب النخب السياسية دوراً أكبر في صنع القرار الشامل على أساس تقاسم السلطة المؤسسي والحلول التوفيقية. بينما يختلف الوضع جداً في المجتمعات التعددية حيث تلعب النخب السياسية دوراً أكبر في صنع القرار الشامل على أساس تقاسم السلطة والحلول التوفيقية”.
وختم: “إن إدماج مجموعة أقليّة بالقوّة في دولة مع بقية تلك المجموعة الوطنية عبر الحدود في دولة مجاورة هو دعوة عملية لنزاع الهوية، إلى جانب آلية سهلة جداً لتدويلها”.
أما الجلسة الثانية، التي أدارها رئيس مجلس إدارة معهد “الشرق الأوسط” ومرشح حزب “القوّات اللبنانيّة” عن المقعد الماروني في طرابلس إيلي خوري، فقد تمحورت حول “جدليّة التطرف والتعددية في الإسلام السياسي”.
وأشار خوري إلى أن هذا المؤتمر هو باكورة التعاون بين معهد “الشرق الأوسط” ومركز “ولفرد مارتنز”، معرباً عن أن أهداف المعهد ترتكز على محاولة استباق حصول بعض الأزمات التي من الممكن أن تقع في الشرق الأوسط أو إيجاد بعض الحلول لها. كما تناول وضع المنطقة التي بقدر ما تتميز بتنوعها الديني والثقافي تكثر فيها الأزمات والصراعات. وقال: “إن الوضع في الشرق الأوسط يؤثر مباشرةً على أوروبا والمثال الأكبر هو موضوع اللاجئين والعمليات الإرهابيّة الأخيرة”.
من جهته، ألقى النائب عماد الحوت كلمة قال فيها: “إن التعريف الأكثر تداولاً للإسلام السياسي هو: “حركات تغيير سياسية تؤمن بأن الإسلام ليس مجرد نظام ديني وإنما أيضاً قواعد سياسية واجتماعية واقتصادية يمكن أن توجّه مؤسسات الحكم”. إلا أن مصطلح “الاسلام السياسي”يتضمن مجموعة من الحركات متعارضة فيما بينها في كثير من الأحيان، لذلك سيكون تركيزي في هذه الورقة على تجربة تيار مدرسة الاخوان المسلمين الذي يفضل أن يطلق على نفسه مصطلح “التيار الإسلامي” وليس مصطلح “الاسلام السياسي”، مفنداً نظرة التيار الاسلامي للدولة والحكم حيث جزّء هذه النظرة إلى عدّة أبواب وهي: ” تعريف الدولة، مرتكزات الدولة، وظائف الدولة، عناصر الدولة، الحاكم وقواعد الحكم”.
كما تناول الحوت في مداخلته أسباب ونتائج وعقبات الربيع العربي، مستعرضاً أربع تجارب للتيار الإسلامي في السلطة: ” التجربة التركية ٢٠٠٣ – ٢٠١٧، التجربة التونسية (2011 – 2017)، التجربة المصرية (2012 – 2013) و تجربة حركة حماس في الحكم (2006 – 2016)”. وشرح كل تجربة من هذه التجارب من النواحي الخارجيّة والداخليّة ومكامن القوّة والضعف فيها، مستنتجاً أن “ثورات الربيع العربي أدت الى تحوّلات عميقة في مسارات الشعوب، طالت أيضاً التيار الإسلامي الذي كان من المتفاعلين مع هذه الثورات، في ظل معاناته لسنوات طويلة من قمع الأنظمة، ومحاولات الإقصاء عن الحياة السياسية، مما حرمه كغيره من القوى السياسية من تراكم خبرات لا يمكن أن يتكوّن إلا من خلال الممارسة. من جهة أخرى، فإن القوى التي جمعها هدف إسقاط النظام المستبد، لم تجمعها رؤية واحدة للدولة الحديثة، وسرعان ما عادت الى خلافاتها حول أولوية إسلامية الدولة أو علمنتها، وكان الأولى لو اتفق الفريقان على إنشاء دولة العدالة حتى لا تكون النتيجة عودة الاستبداد أو الفوضى، وقديماً قال ابن تيمية: (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت غير مسلمة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة). كما إن التيار الإسلامي لم يدرك جيداً أن في مجتمعاتنا شرائح كبيرة أولويتها أن تؤمن لها الدولة المسكن والمأكل وفرص العمل والأمن وغير ذلك من دون أن يعنيها ما هو شكل الدولة أو من يحكمها. إضافة الى كل ذلك، فإن هناك تشويه ممنهج لصورة التيار الإسلامي وما يدعو اليه مما فتح الباب لطروحات التطرّف”.
وختم كلمته عارضاً للتحديات التي تواجه التيار الإسلامي، وقال: ” ينبغي على التيار الإسلامي: التخلي عن فكرة أن التيار الاسلامي مطالب بتقديم الحلول، والتوجه الى التشبيك والشراكة في الدور والتضحية والمكاسب مع مختلف مكونات المجتمع. التركيز على القيم المشتركة في بناء الدولة وهي قيم تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الإسلام، والتعاون على إدارة حوار مجتمعي حقيقي للاتفاق حول خصائص دولة المستقبل التي خرجت شعوب بلداننا مطالبة بها، وتجاوز حالة الاختلاف على قاعدة المكاشفة والاعتذار. خطاب يساهم في إقناع غير المسلمين بأن المسلم الملتزم بدينه هو ضمانةً لهم، والاستمرار في بث الوعي الديني الوسطي السليم وتعميقه، رغم محاولات الحصار ، حتى لا تقع الناس فريسة خطاب التطرّف. الترويج للخيار الذي اعتمده التيار الإسلامي منذ عام 1995 وعكس هذا الخيار على البرامج التي يطرحها التيار الاسلامي للناس، في أن الدولة هي دولة مدنية بمرجعية قيمية تقوم على العدل والحرية ورعاية شؤون المواطنين، الخيار الحر لمؤسسات الحكم والشورى المتمثلة بآليات الديمقراطية، اعتماد معيار الكفاءة، واعتبار أن أحكامها لا تصدر بإسم الدين، ولا تدعي العصمة، وإنما هي اجتهادات بشر يستلهمون قواعد الشريعة ولكنهم يصيبون ويخطئون في النتائج وبالتالي لا تعتمد نظرية ولاية الفقيه”.
تلاه رئيس “اللقاء العلمائي” الشيخ عباس الجوهري، الذي استغرب في كلمته “الإلتباس غير المفهوم للبرودة الأوروبية في التعامل مع أزمات المنطقة في شرق المتوسط ناتج إما عن تردد أوضعف، وأنا أستبعد ذلك، وإما عن خلفية معرفية لطبيعة وإنسان هذا الشرق الذي كان تهديده قريبا على الأوروبيين في عمق التاريخ، هذه العقدة التي جعلت الغرب الأوروبي يتطلع دائما إلى إدامة فجوة حضارية وأن لم يشارك في صنعها على الأقل ليس له المصلحة في إنهائها بل إبقاء هذا الشرق متخلفا بعيدا عن المنافسة التقنية والمعلوماتية، لأن الايديولوجيا التي تطبع إنساننا المشرقي شديدة الخطورة وخصوبة مجتمعاتنا المشرقية إذا ما تلمست القدرة في لحظة تاريخية فإنه قد يشكل خطرا على الأمن الأوروبي، وإن كان هذا بعيدا اليوم بل ومستحيل، لكن استحالته ليست من ذاته وأنا اعترف بأننا لم نقيم منظومتنا الاخلاقية والسياسية وننتقدها حتى يطمئن اليها الآخرون في المجتمعات الاوروبية (إشارة إلى الفتوحات الاسلامية) وأنا هنا أدعو إلى مقاربة شفافة وبدون قفازات وعلى طريقة توسيع الصورة بحدقة العين لترى المشهد بعقول باردة وغير منحازة، وهذا ما حدا ببعض المفكرين المعاصرين من فرنسيين وإنكليز إلى عدم الحماس والمساعدة على انتشار الديمقراطية في عالمنا العربي والإنحياز إلى انظمة استبدادية وحكام مجربين أفضل من أي تغيير ديمقراطي غير محسوب لأنهم يرددون دائما أن الديمقراطية جوهرة لا تليق بشعوب هذا الشرق وأن سياسة العصا هي الطريقة المثلى مع أنهم ينتمون إلى منظومة حضارية وقيم ديمقراطية وأفضل معايير لحقوق الانسان”.
وفند الجوهري في كلمته العوامل السياسيّة التي أسهمت في استمرار شرارة الصراع الدولي، وخلص إلى أن “الإتحاد الاوروبي يشكو من العناصر التي تحدّ من فاعليته، فهو ما يزال يفتقر الى سياسة خارجية وأمنية مشتركة من جهة، ومن جهة ثانية قد لا يكون العمل تجاه الشرق الأوسط من الاولويات، علما أن الصين الصاعدة تعيد بناء خط الحرير التاريخي لأن المستقبل في نظرهم واعد، ويقول الباحث الفرنسي مونت بريال : “عندما قررت اوروبا التخلي عن سياسات القوة إنما فعلت ذلك لأنها استخلصت العبر من تاريخها المليء بالحروب المدمّرة، فابتكرت نموذج تعايش وتكامل واندماج سلمي تفاخر به وتعتبره قابلاً للتصدير”.
وتابع: “ان انشغال اوروبا بجدول اعمال التكامل الضخم والمعقد وتوسيع الاتحاد وتعميقه ومراجعة الخطط والبرامج الاقتصادية والزراعية المشتركة، والاستغراق في الأزمات الداخلية التي سببتها أحداث الشرق الاوسط وتذليل الصعوبات المتوقعة وغير المنتظرة منها واقرار دستور مشترك وغيرها من التحديات، جعلتها في غنى عن خوض النزاعات الخارجية، لا سيما تلك التي لا طائل لها بها، ناهيك عن حاجتها للحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة لأسباب كثيرة سياسية وعسكرية واستراتيجية، عدا عن الإرتباط الاقتصادي المتبادل” .
وختم: “إن سياسة خارجية أوروبية تولي اهتماماً بحق شعوب منطقتنا في الحياة الكريمة في ظل تداول للسلطة قائم على منظومة ديمقراطية أفضل من التغاضي عن مستبدين يحوزون في خزائنهم كل أوراق اللعب فيلعبون مع الغرب لعبة إما أن أبقى وإما أن أفلت عليكم كل بؤر الإرهاب والتطرف الذي يحتفظون به في خزائنهم وبذلك فقط يحفظون امنهم و يبعدون شبح الإرهاب عن شوارعهم”.