من اعتقال سمير جعجع
الى اعتقال الجمهورية
نجم الهاشم
فرعي:
اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 كان مكملاً لاعتقال سمير جعجع في 21 نيسان 1994
قد يكون من الواجب العودة إلى الشق الذي لم ينفذ بعد من “الطائف” وهو تسليم سلاح “حزب الله” من أجل فك أسر الجمهورية
في 21 نيسان 1994 نفذ قرار اعتقال سمير جعجع. قبل ذلك كان صدر القرار باعتقال الجمهورية. بعد عشرين عامًا في 23 نيسان 2014 كان سمير جعجع مرشحًا لرئاسة الجمهورية في الجلسة الأولى التي اكتمل فيها النصاب. بعد عام على تلك الجلسة لا يزال النصاب معطلاً من أجل مصادرة الرئاسة وإبقائها قيد الإعتقال.
كان قرار اعتقال سمير جعجع محاولة لمنع تحرير الجمهورية وإطلاق سراحها من الأسر. عندما انتخب رينيه معوض رئيسًا لدولة ما بعد الطائف كان في انتخابه محاولة لإعادة الحياة إلى الجمهورية وإعادة بناء المؤسسات في مرحلة السلم الأهلي في لبنان. اغتياله كان اغتيالاً لهذه المحاولة وإدخال لبنان في عهد الوصاية. كان سمير جعجع يشكل مع “القوات اللبنانية” الجناح الذي سيستند إليه الرئيس الجديد بالإضافة إلى أجنحة أخرى من أجل استكمال عملية تطبيق الطائف وخصوصا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والرئيس رفيق الحريري. ولذلك بدأت الحرب على “القوات” وعلى سمير جعجع.
عندما تم انتخاب الرئيس الياس الهراوي كان واضحًا الإتجاه الذي تريده سوريا للرئاسة. مجرد وظيفة ليس أكثر والرئيس مجرد شاهد لا حاجة لقراره بل لتوقيعه. لم يتم الإكتفاء بأنموذج الهراوي بل ذهب عهد الوصاية إلى خيار أكثر حدة وترسيخاً للإرتهان مع الرئيس أميل لحود. رئيس “مقاوم” في بعبدا وحزب مقاوم على الأرض ودولة مخابرات تحكم البلد. كان ممنوعًا أن يحصل أي تغيير في هذه المعادلة ولكن ما صنعه عهد الوصاية انقلب عليه في النهاية. لم يكن مقدرًا للبنان أن يبقى في الإعتقال بينما العالم كله يتغيّر بعد الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان في أيار العام 2000 ووفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في 10 حزيران من العام نفسه وأحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية.
كان اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 مكملاً لاعتقال سمير جعجع في 21 نيسان 1994 عندما كان الحريري رئيسًا للحكومة. كان يكفي أن يقول لا لعهد “الوصاية والمقاومة” حتى يؤخذ القرار بالقضاء عليه. ما يدور في قاعة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي خير دليل إلى ذلك. لم يستطع النظام السوري و”حزب الله” أن يتحملا تفكير رفيق الحريري بخوض انتخابات نيابية في العام 2005 متحررًا من الإملاءات متحالفاً مع وليد جنبلاط ولقاء قرنة شهوان والبطريرك صفير و”القوات اللبنانية”.
صدى اعتقال سمير جعجع واغتيال الحريري تردد في 26 نيسان 2005 مع انصياع النظام السوري للقرار الدولي 1559 وسحب جيشه من لبنان موكلاً مهمة منع لبنان من استعادة حريته إلى “حزب الله”. ما حصل في 8 آذار 2005 في مهرجان “الوفاء لسوريا” كان مؤشرًا على مرحلة ما بعد الإنسحاب السوري من لبنان. هكذا تم إجهاض نتائج انتخابات العام 2005 وبعدها نتائج انتخابات العام 2009. الأكثرية النيابية التي حققتها قوى 14 آذار لم تستطع استعادة الجمهورية. كان سلاح “حزب الله” ولا يزال أقوى من سلاح الديمقراطية.
هذا السلاح أخذ لبنان إلى حرب تموز 2006 وارتد إلى الداخل في 7 أيار 2008 ثم ذهب للقتال إلى جانب النظام في سوريا ضد الشعب السوري وطوّر مهمته إلى العراق واليمن وفي خضم هذه المهمات كلها لم يتخلَّ عن قرار مصادرة الجمهورية في لبنان.
لطالما تباهى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنه مع حزبه أكبر من لبنان وأن لبنان ليس إلا مجرد تفصيل في استراتيجية إيران الكبرى. من هذه الخلفية تعاطى مع رئاسة ميشال سليمان للجمهورية. في بداية عهده هادن الرئيس الذي أتى بعد تسوية الدوحة “حزب الله”، وقبل عام من نهاية العهد لم يحتمل الإنتظار فأعلن معارضته لعهد وصاية “حزب الله” على لبنان ولقراره القتال في سوريا ولذلك اتخذ الحزب القرار باعتقال الرئاسة ومنع انتخاب رئيس جديد إلا على صورته ومثاله رئيس على قياس إميل لحود ولذلك يستمر تعطيل النصاب. كان ينتظر خروج سليمان من القصر في 24 أيار 2014 حتى يقفل الطريق إلى بعبدا.
في 26 تموز 2005 خرج سمير جعجع من السجن الصغير بعدما خرج لبنان من السجن الكبير. ولكن هذا الخروج لم يكن مقبولاً في استراتيجية “حزب الله” والنظام في سوريا. محاولة الإلتفاف لم تتوقف ودائمًا كانت هناك عملية انقلاب جديدة حاضرة. ضمن هذا الإطار كانت الحرب على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ثم على حكومة الرئيس سعد الحريري وكانت أيضًا محاولة اغتيال الدكتور جعجع في 4 نيسان 2014. تلك المحاولة كانت للتعويض عن خسارة قرار إنهاء سمير جعجع في الإعتقال وردًا على خروجه من السجن ومن أجل مساواته مع رفيق الحريري.
في العام 1989 كان الطائف سعوديًا. وكان رفيق الحريري وسمير جعجع في أساس عملية التغيير المطلوبة وكان النظام السوري و”حزب الله” ضد هذا الطائف ببعده السعودي والعربي والدولي. ولذلك تم الإنقلاب عليه. ما يحصل اليوم في اليمن بعد إعلان “عاصفة الحزم” السعودية يكشف خبايا ما حصل في العام 1989 في لبنان. الهجوم العقائدي والديني والسياسي على المملكة العربية السعودية اليوم لا يخرج عن إطار المواجهة التي حصلت في العام 1989. وكما أخذ الطائف إلى رئاسة الياس الهراوي وإميل لحود يتم اليوم تنفيذ قرار مصادرة الرئاسة. يستطيع “حزب الله” والنظام السوري أن يمنعا انتخاب رئيس ولكن لا يمكنهما أن يأتيا برئيس على قياس مرحلة الوصاية. ولذلك تبدو “عاصفة الحزم” استراتيجية مقابلة للإستراتيجية الإيرانية من اليمن إلى لبنان.
لقد شعرت طهران بفائض القوة في الطريق نحو إنجاز الإتفاق النووي وتصورت أنها قادرة على الحسم في المنطقة. غياب كامل للموقف السعودي في مرحلة انتقال السلطة من الملك عبدالله إلى الملك سلمان. انقلاب كامل في اليمن. هجوم معاكس في العراق. عدم سقوط النظام في سوريا. الإمساك بورقة الرئاسة في لبنان. ولكن سريعًا بدا أن هذه الإستراتيجية دونها عقبات وأنها قابلة للتراجع والإنكفاء. بدأ التراجع في اليمن وتوقف الإنقلاب عند حدود عدن. معركة “تحرير” تكريت تحولت إلى عملية نهب منظم وانتقامات. النظام السوري يخسر على الأرض بعدما أوحى أنه يتجه نحو “تحرير” غرب سوريا ودرعا والقنيطرة بدعم من الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” وقد فقد السيطرة على مناطق كان استردها بالإضافة إلى الرقة وبعض حلب التي أشاع أنه على قاب قوسين من طرد المعارضة منها. كل ذلك يجري في سوريا في ظل معلومات عن خطة تنسيق بين السعودية وتركيا من أجل توسيع قاعدة “عاصفة الحزم” لتشمل دمشق خصوصا بعد التطورات التي حصلت في الشمال المحاذي لتركيا وفي مخيم اليرموك الأمر الذي أجبر النظام في سوريا على تدعيم خطوط دفاعه حول العاصمة بعدما فشل في محاولة إبعاد هذه الكأس المرة عنه.
لذلك ربما دخلت معركة الرئاسة في لبنان ضمن استراتيجية “عاصفة الحزم” الشاملة وضمن توسيع دائرة الصراع على المنطقة والفارق الكبير الذي سجل على الأرض هو تصدي المملكة العربية السعودية والدول العربية للهجوم الإيراني. وضمن هذا الإطار يأتي التنسيق بين السعودية ومصر الذي سيترجم في اجتماع قادة الجيوش التي يمكن أن تشارك في تشكيل قوة الدفاع العربية التي تقرر إنشاؤها في قمة شرم الشيخ.
في العام 1965 صدر عن قمة المغرب قرار بتشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة للتصدي للعدو الإسرائيلي وتم تكليف الفريق المصري علي علي عامر (ع.ع.ع) بهذه المهمة. في تلك المرحلة كانت السعودية على خلاف مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكان يتم تنفيذ قرار آخر بتحويل روافد الأنهر التي تصب في إسرائيل. وبدأ العمل في لبنان في منطقة الماري في راشيا وحاصبيا لتحويل مجرى نهر الحاصباني ولكن بعدما قصف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع العمل تم صرف النظر عن هذا الموضوع ولا تزال بعض أقنية التحويل موجود في المنطقة. ولكن على رغم ذلك استفاد لبنان من هذه المرحلة بشراء طائرات الميراج من فرنسا.
اليوم هناك محاولة جدية لتسليح الجيش اللبناني بتمويل من المملكة العربية السعودية. هذه المحاولة تصبح خطرة إذا ما اعتبر محور إيران و”حزب الله” والنظام السوري أنها يمكن أن تصب في نهر “عاصفة الحزم”. ولذلك لن يتساهل هذا المحور في موضوع الرئاسة وسيتسمر في قرار اعتقالها. وإذا شارك قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية في القاهرة للنظر في تنفيذ قرار قمة شرم الشيخ فإن موقف “حزب الله” سيتغيّر حيال قيادة الجيش وتجاه الحكومة. وإذا غض النظر عن مشاركة العماد قهوجي في اجتماعات أركان جيوش قوات دول التحالف ضد “داعش” فإنه لن يفعل ذلك تجاه اجتماع القاهرة. فالحرب ضد “داعش” تخدم استراتيجية الحزب بينما الحرب ضد الحوثيين يعتبرها ضده أيضا وأي تنسيق مع السعودية ومصر على هذا المستوى لن يكون بمقدوره السكوت عنه بعد المواقف النارية التي أعلنها السيد حسن نصرالله وبعد القرار 2216 الذي صدر عن مجلس الأمن وغطى عملية “عاصفة الحزم” في اليمن. هذا القرار قد يكون مكملا للقرار 1559 في لبنان. وقد يكون من الواجب العودة إلى أساس هذا القرار في الشق الذي لم ينفذ بعد وهو تسليم سلاح “حزب الله” من أجل فك أسر الجمهورية واستكمال تحرير لبنان من عهد الوصاية البديل.