يعرف عن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع دقته في متابعة الملفات، هو يسجّل الملاحظات من باب علمي ومنطقي، وفي اطار مراقبته للحكومة، كما كان قد اعلن سابقا، تحدث جعجع عن سقطتين سجلتها الحكومة في جلسة الامس.
وقال جعجع في حديث الى وكالة “أخبار اليوم”: السقطة الاولى والكبيرة هي عود على بدء في ملف الكهرباء، حيث مقاربة هذا الملف تشير الى ان المرحلة المقبلة قد تكون اسوأ من السابق، معتبرا ان التصويت او عدم تأييد انشاء معمل سلعاتا، هو تفصيل امام الجوهر، حيث اعاد مجلس الوزراء تكليف وزير الطاقة والمياه ريمون غجر التفاوض مع الشركات لبناء المعامل بدلا من الاتجاه الى طرح مناقصة وتشكيل لجنة وزارية مصغرة (على غرار ما حصل في الحكومة السابقة) ثم الاتجاه نحو دائرة المناقصات بما يؤمّن الشفافية والمصداقية، مضيفا: هذا ما كان يحصل على مدى السنوات العشرة الاخيرة والذي اوصلنا الى ما نحن فيه، قائلا: اليد التي استلمت الملف منذ 10 سنوات لغاية اليوم ما زالت هي نفسها، في حين ان المطلوب تغيير النهج في التعاطي والالتزام بالحد الادنى من اسلوب العمل العلمي والمؤسساتي.
اما السقطة الثانية التي سجلها جعجع على الحكومة فكانت في ملف التهريب عبر الحدود البرية غير الشرعية حيث تبنت الحكومة التدابير التي اعلنها المجلس الاعلى للدفاع بعد جلسته في القصر الجمهوري منذ يومين، قائلا: هذه الاجراءات تشبه وضع المماسح الى جانب القسطل المثقوب في منزل في حين تسرب الماء سيبقى مستمرا، ولا قدرة لتلك المماسح على امتصاصه.
واضاف: المعابر غير الشرعية معروفة، ويوم أول من امس عقد النائب زياد حواط مؤتمرا صحافيا واشار الى هذه المعابر على الخريطة، حيث يحصل التهريب بالشاحات المتوسطة والكبيرة الحجم . واشار جعجع الى انه بدل اقفال هذه المعابر غير الشرعية لتصبح محاربة التهريب في الداخل عملية عادية روتينية، تركت الحكومة هذه المعابر قائمة للاسباب السياسية المعروفة وذهبت الى بعض التدابير الجزئية في الداخل التي لا يمكن ان تؤدي الى النتيجة المطلوبة.
واعتبر جعجع انه مخطئ من يقول ان الجيش اللبناني غير قادر على ضبط كامل الحدود، فهذا الكلام “غش للناس”، فالمعابر معروفة تمرعليها السيارات والشاحنات، كما ان طول الحدود التي يحصل عليها التهريب لا تتجاوز الـ 40 كلم كحد اقصى وعليها ما لا يتجاوز الـ 25 معبرا غير شرعي، وانطلاقا من هذه الوقائع يمكن للجيش والاجهزة الامنية الاخرى اقفالها ماديا بالتراب كخطوة أولى.
وتابع: اضف الى ذلك، لسنا في العصر الحجري ليكون المطلوب وضع الجيش باطار عنصر الى جانب الآخر على طول الحدود، بل يمكن مراقبتها الكترونيا، حيث ابراج المراقبة والوسائل الالكترونية تظهر ما يحصل بدقة ولو على بعد كيلومترات. كما يمكن للجيش ان يستخدم الطوافات ليلا نهارا حيث يمكن مراقبة تلك المنطقة باقل من 20 دقيقة في كل طلعة.
وبالتالي الكلام عن ان الجيش غير قادر هو من اجل ذر الرماد في العيون والغش، اذ حين يكون القرار السياسي حاسما يستطيع الجيش ان ينفّذ التدابير المشار اليها بالوسائل الجوية والالكترونية المتاحة.
وكشف جعجع في هذا المجال ان هناك عددا كبيرا من الدول التي ابدت استعدادها لمساعدة الجيش اللبناني مجانا، وتأمين كل ما يلزم من اجل بناء ابراج ووضع كل الاجهزة الالكترونية المطلوبة، وبالتالي بحد ادنى من عناصر الجيش يمكن مراقبة الحدود، كما هو حاصل على جزء من حدودنا الشمالية.
على صعيد آخر توقف جعجع عند الدعوة الى “التطبيع مع سوريا” من اجل ان يستقر الوضع الاقتصادي في لبنان، قائلا: انها اغرب نظرية سمعتها في حياتي، سائلا: هل سيطرح هذا البعض ان نظرية استقرار الاقتصاد العالمي لا تتم الا اذا حصل هذا التطبيع مع سوريا؟
وهنا طرح سؤالا بديهيا: هل هناك اقتصاد في سوريا اليوم؟ وهي منذ نحو 9 سنوات تحت العقوبات الصارمة وفي حالة حرب شديدة وحالة تشرذم كبيرة، ونصف شعبها على اقل تقدير مهجّر.
واستطرد جعجع للاشارة الى انه حتى روسيا التي اهتمت كثيرا بوضع (الرئيس السوري) بشار الاسد وصلت الى قناعة مفادها انه لا يمكنه الاستمرار في السلطة. وقد بات الاسد مرفوضا من العرب والغرب، وبالتالي طالما هو موجود لا امل باي حل سياسي واستطرادا باي عملية لاعادة الاعمار ولا باي تحسن اقتصادي…
واستغرب جعجع ان يأتي البعض في لبنان ليقول ان التحسن الاقتصادي في لبنان لن يحصل الا اذا تم التطبيع مع سوريا التي هي اليوم كناية عن مجموعات مسلحة والاسد يمثل احدى اكبر هذه المجموعات، اما سوريا بمعنى الدولة فالجميع يعلم انها ليست موجودة.
وذكر جعجع ان كل الخبراء والمحللين الاقتصاديين يعتبرون ان لبنان هو الرئة الاقتصادية لسوريا ، فكيف يمكن ان نقبل العكس؟ واذا كان هذا البعض يقصد ان مرور البضائع من لبنان إلى الداخل العربي، فالرد يكون إذا النظام السوري قطع طريقنا فيصار إلى قطع الطريق عليه وليس الاستجداء أو تقديم تنازلات سياسية ستضر بمصالح لبنان على المستوى الدولي. كما اشار جعجع في هذا السياق، الى ان الاتصالات من مؤسسة الى اخرى لم تتوقف يوما بين البلدين بل تبادل السفراء ما زال قائما والاجهزة تتصل بشكل مستمر مع نظيراتها.
وشدد جعجع على ان الكلام عن التطبيع مع سوريا يأتي في سياق واحد، وهو طبعا ليس السياق الاقتصادي ولا انقاذ لبنان بل محاولة لانقاذ الاسد وخصوصا من الوضع الذي وصل اليه في الاشهر الخمسة الاخيرة.
وبالانتقال الى ملف الفيول المغشوش، لا سيما وان القوات من خلال النائب انطوان حبشي كانت اول من اثاره من خلال الإخبار الذي قدمه بشأن الفساد في وزارة الطاقة، اشار جعجع الى انه اذا كان الامر مسيسا فالامر سيتضح خلال الايام القليلة المقبلة.
واضاف: هذا الملف طرحناه منذ سنوات وليس منذ اشهر، وتبين حتى اليوم ان الدولة وضعت يدها على طرف خيط وهذا جيد، ولكن السؤال، هل ستسحب الخيط بكامله ام ان الامر سينتهي عند هذا الطرف فقط؟ مع العلم ان الموقوفين في الملف اصبحوا بالعشرات. كما تبين ان هناك منظومة طويلة عريضة للغش موجودة في اطار وزارة الطاقة، مستغربا ان يتم توقيف مديرة في الوزارة على خلفية هذا الملف ثم يطلق سراحها لتبقى موقوفة بتهمة اقل هي تسجيل ساعات اضافية لموظفين، وهذا ما يوحي بان هناك محاولة لطمس الملف، في حين ان المطلوب الذهاب فيه حتى النهاية وبعمق.
واعتبر جعجع ان هذه المنظومة الطويلة العريضة لا تتوقف عند باخرة واحدة يجري التحقيق بشأنها، بل هي ولدت عند توقيع العقود مع شركة سوناطراك، وبالتالي هذه العملية مستمرة منذ 15 سنة ، وما ظهر هو رأس جبل الجليد والمطلوب الكشف عن كل هذا الجبل، والا نكون امام عرض مسرحيات للقول اننا نحارب الفساد.
ورأى جعجع ان المسؤولية الاساسية في هذا الملف تقع على عاتق الوزراء المتعاقبين منذ العام 2005 تاريخ توقيع العقد ثم تجديده لخمس مرات متتالية، قائلا: وزراء الطاقة الذين جددوا العقد يدركون تماما ما يحصل في اطار هذه الوزارة.
وشدد جعجع على انه اذا لم يسلك التحقيق نحو الوزراء، فان كل ما يحصل “مسرحية بايخة” ، المطلوب استمرار التحقيق والتوسع فيه للوصول الى حيث يجب. واشار الى ان احدا من هؤلاء الوزراء لم يحاول تصحيح هذا العقد لعلمهم بخلفية ما يحصل تحته.
اما عن بدء مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، فلم يبد جعجع تفاؤله، مستندا الى واقعتين تدخلان في صلب اي عملية اصلاح اقتصادي او مالي مطلوب في لبنان ويمكن ان تقدم الى صندوق النقد، وهما
– المعابر الشرعية، هل يمكن لاي جهة مانحة ان تصدّق لبنان في حين حكومته لا تريد أو ليس بإمكانها اتخاذ قرار واضح باقفال المعابر غير الشرعية.
– الكهرباء حيث بعد نقاش طويل عدنا الى نقطة الصفر، لا بل نقطة اكثر تراجعا ، من خلال اعادة تكليف وزير الطاقة التفاوض مع الشركات، حيث ان اليد نفسها ما زالت تدير هذا الملف بذات الاسلوب منذ 10 سنوات.
وما هي الخيارات الاخرى؟ اجاب جعجع: الوقت يمر سريعا، وللاسف وقعت الحكومة باخطاء كبيرة لا سيما في هذين الملفين الدسمين، اذ ما بين الطاقة والمعابر غير الشرعية يستطيع لبنان ان يوفر على اقل تقدير ثلاث مليارات دولار سنويا، في حين ان الحكومة تتعاطى بخفة وولدنة وغض النظر!
وليس بعبدا عن هذا الواقع، اعتبر جعجع ان ما نشهده من ارتفاع سعر الدولار والغلاء الفاحش، هو من عوارض المرض الاساسي اي الفساد وعدم كفاءة الناس الموجودين في السلطة وقلة الدراية والادارة لديهم، وهذا ما كسر لبنان واوصلنا الى هنا، مشددا على ضرورة معالجة المرض، وليس العوارض الآنية.
كما حذر جعجع من اللجوء الى الاجراءات التي يمكن ان تخنق البلد اكثر، مؤكدا ان العلاج الساسي معروف وهو الاصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات التي لم تتم معالجة اي منها، مبديا اسفه الى انه كان امام الحكومة فرصة كبيرة هذا الاسبوع للبدء بالاصلاحات بالتحديد في ملفي المعابر غير الشرعية والكهرباء لكنها فوتتها.
واخيرا سئل جعجع عن علاقته مع الرئيس ميشال عون؟ فاجاب: لا علاقة في الوقت الحاضر للاسف. وقال: حين كانت الخلافات في ذروتها، كان هناك حد ادنى من العلاقة بيننا، ولكن اليوم لا علاقة، فكما هو ظاهر الوزير جبران باسيل هو من يسيّر شؤون العهد كافة، ولا منفعة من هكذا علاقة في الوقت الحاضر. وختم: للاسف نقول ذلك لكن هذا هو الواقع