لبّى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع دعوة مطران الروم الملكيين الكاثوليك في كندا ابراهيم ابراهيم إلى لقاء حاشد في دار المطرانيّة في مونتريال مع جمعيات أبناء زحلة وغيرها من القرى اللبنانيّة، في حضور النائب السابق طوني أبو خاطر وعضو بلديّة مونتريال عارف سالم وحشد من الفاعليات الإجتماعيّة والإقتصاديّة والدينيّة.
وألقى جعجع كلمة استهلها بالقول: “حقيقةً سيّدنا فقد غمرتني بلطفك، وقد ضربت على وتر حساس جداً لدي فالأندميسي التي تكرّمت وقدّمتها لي أحملها معي منذ زمن بعيد بشكل غير واع ولا شعوري ولكنني لم أكن أعرف ذلك، وصراحةً أنا أخذت من الطقس الماروني، فمنذ القدم أجدادنا وأسلافنا كانوا لا يغيبون عن أرضهم يوم واحد لكثرة حبّهم لها وفي بعض الأحيان تكون أرضهم بعيدة كثيراً عن مركز قريتهم لذلك كانوا يأخذون القربان معهم إلى الأرض كما في أسفارهم وفي موعد القداس يصلّون ويتناولون بعدها القربان، كذلك الأندميسي فأنا حملتها معي من دون أن أعلم في كل الأوقات وبالأخص في فترة الإعتقال حيث كانت تلازمني دائماً وقد تحوّلت الزنزانة إلى محبسة أو كنيسة صغيرة”.
وتابع جعجع: “سيّدنا أريد أشكرك على هذا اللقاء بوجود أركان الجالية اللبنانيّة في مونتريال فصراحة أنتم غمرتموني بلطفكم وأريد في هذه المناسبة أن أذكّر البعض أنهم يجب ألا ينسوا أبداً أن الموارنة هم كاثوليك في الدين وللبعض الآخر ألا ينسوا أن الكاثوليك هم موارنة في السياسة ولهذا السبب بالذات يسود لقاؤنا هذا اليوم الإنسجام والنظرة الواحدة للأمور”.
ولفت جعجع إلى أن “جميع طوائف لبنان عملت من أجل الوطن وقاومت كل واحدة منها على طريقتها كذلك الطائفة الكاثوليكيّة التي قاومت والبعض لا يعرفون ذلك، فهي قاومت في بعض الأحيان بالقوّة القهريّة للضرورة إلا أنها أكثر من قاوم بالإقتصاد وأكثر من عمل من أجل بناء اقتصاد لبنان وقسم كبير من حضارته وفكره وثقافته لذلك يجب أن نحمي جميعاً بعضنا بعضاً ليبقى لبنان هو ذاته لبنان الذي نعرفه”.
أما بالنسبة للموضوع المسيحي والمخاوف التي عبّر عنها المطران ابراهيم ابراهيم، فرد جعجع: “أنا صراحة سيّدنا لا أشاركك هذه المخاوف فالذي زرعه الله في أرض معيّنة قوّات الجحيم لن تقوى عليه، يبقى اللهمّ أن نتصرّف بوحي من ربّنا لأن عدوّنا الوحيد الذي يمكن أن يقتلعنا من هذا الشرق هو نحن أنفسنا عندما نتصرّف بشكل خاطئ باعتبار أن الإنسان الذي يحسن التصرف ويعمل للخير وبشكل بنّاء لا يمكن لأحد في الكون أجمع أن يقوى عليه وخصوصاً أن العالم كلّه يدرك تماماً أننا عند الضرورة شعب مقاتل، فوقت السلم اليد التي تعمّر هي نحن ووقت الخطر “قوّات”.
وتابع جعجع: “من المؤكد أنه بين الحين والآخر تظهر بعض المجموعات الأقليّة وتقوم باضطهاد المسيحيين كمسيحيين إلا أن الأكثريّة في منطقتنا ليست كذلك، وإنما هي معتدلة وتحب العيش المشترك وبطبيعة الحال تحب العمل لصالحها أيضاً وإذا ما حصل أي نقص فنحن السبب لأن النقص يأتي منّا، فنحن إن لم نعمل ونجتهد ونكدّ ونجدّ فبطبيعة الحال لن يكون لنا مستقبل أما إذا ما عملنا بجهد وكنا كما يجب أن نكون فتأكدوا تماماً أن لا أحداً يريد منا شيئاً وإن افترضنا أن هناك من يريد في هذه الحالة لن يستطيع أخذه منا مثلما حصل في مرّات عدة من تاريخنا، ونحن الذين تعرّضنا لحملات من إمبراطوريات كبيرة وممالك عديدة حاولت أن تحتل لبنان والبعض منها احتلّه لفترات طويلة إلا أنه في نهاية المطاف كما أتت هذه الممالك والإمبراطوريات فقد رحلت وهكذا إن كان هناك من تسوّله نفسه على احتلال لبنان فسيرحل حتماً وسنبقى نحن ويبقى لبنان”.
ووجّه جعجع تحيّة كبيرة جداً لزحلة “عصب الكثلكة في لبنان، زحلة المناضلة التي دائماً ما كانت عبر التاريخ على خطوط التماس، الله أراد ذلك كما الجغرافيا وهذا ليس بالمعنى السلبي وإنما بالمعنى الإجابي فبسبب واقعها هذا أهلها دائماً أبطال، ورجال الرجال، مقدامون والأهم من كل هذه الصفات دائماً ما يكون أهل زحلة يتمتعون بوعي كبير جداً، هذا إن لا ننسى أنه من المؤكّد أن هناك مناطق عدّة في لبنان يسكنها الكاثوليك إلا أنني ذهبت مباشرةً إلى عاصمة الكثلكة في هذا الشرق وعاصمتنا جميعاً زحلة”.
وختم جعجع: “نطلب منكم سيّدنا الصلاة لأجل لبنان لأننا في هذه الأيام بأمس الحاجة لها فعندما يكثر الشر نحن بحاجة لكثير من الصلاة، الوضع في لبنان ليس بألف خير إلا أننا من المؤكد سنبقى نناضل حتى آخر رمق من أجل إخراجه من هذا الوضع ولكن هذا الأمر يتطلّب جهوداً جبّارة لذلك نحن بحاجة لكثير من الصلاة”.
وكان قد استُهل اللقاء بكلمة للمطران ابراهيم قال فيها: “أرحّب بكم في هذه المطرانيّة العراقيّة، مطرانيّة الروم الملكيين الكاثوليك في كندا، وهي أقدم الكنائس اللبنانيّة والمشرقيّة في كندا وهي كنيسة أول المهاجرين اللبنانيين إلى كندا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهو ابن زحلة ابراهيم أبو نادر والذي بعد استقراره في مونتريال تبعه غيره من اللبنانيين بعد مذابح الـ1860، وتجمّع هؤلاء وطالبوا بتأسيس أوّل كنيسة ملكيّة فكان لهم ما أرادوا سنة 1892 حيث بدأت كنيستنا الملكيّة بخدمة أبنائنا وسائر الشرقيين الذين بقوا تحت رعايتنا قرابة الثمانين عاماً في مونتريال ووينزر – مونتريال”.
وتابع المطران ابراهيم: “كما أرحب بكم باسم الكنيسة الوحيدة التي أعطت اسم لبنان للشارع الوحيد الذي يحمل هذا الإسم العظيم “شارع لبنان” ثم بُنيت عليه كاتدرائيّتنا الجديدة سنة 2007 في الوقت التي كانت فيه الكنائس تباع وتقفل، فقد ماتت بعض كنائسنا في الشرق إلا أنها عادت لتقوم وتحيا في الغرب”.
ولفت المطران ابراهيم إلى أن “مسلسل اقتلاع المسيحيين من الشرق أوصلنا إلى هذا البلد المضياف كندا ونحن بفخر نحمل هوية الشرق والغرب معاً. هذا المسلسل قد عكس مساره على ما يبدو، فبعد أن كان يستهدف مسيحيي لبنان ليصل إلى باقي المسيحيين في الشرق يبدو اليوم منطلقاً من مسيحيي الشرق لينتهي مع مسيحيي لبنان”، معتبراً أننا “أمام تحديين كبيرين على صعيد المسيحيين المشرقيين: الأول هو الحفاظ على ما تبقى من مسيحيي الشرق، والثاني هو عدم ضياع وذوبان المسيحيين المشرقيين في الغرب وسائر بلدان الإنتشار الذي نعمل من أجله ليل نهار”.
وختم: “لا نريد أن نتحوّل إلى حراس أراضي مقدّسة كما هي الحال في الأراضي المقدّسة وفي أرض المسيح. وحدة المسيحيين هي خلاصهم الوحيد فأهلاً وسهلاً بكم مجدّداً في بيتكم وبين أهلكم”.
وعقب انتهاء المطران ابراهيم من كلمته قدّم لرئيس “القوّات” أندميسي نجم المجمّع الفاتيكاني الثاني البطريرك الكاردينال مكسيموس الصايغ كهديّة تذكاريّة لزيارته دار المطرانيّة في مونتريال. (أندميسي أو أنديميسيون: كلمة يونانيّة مركّبة من “أندي” أي “بدلاً من” و”مينسيون” أي “مادة أو طاولة”، وتعني “عوض المائدة” أو “عوض المذبح”، وهي قطعة من كتّان أو حرير، رُسم عليها تحنيط المسيح وخُيّط على ظهرها كيس صغير يحتوي على ذخائر للقديسين الشهداء.