أبدى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع استغرابه أن تسبق الموازنة جلسة منح الثقة، مشيراً إلى أن “التسلسل الطبيعي، هو أن تنال الحكومة الثقة ثمّ أن تستردّ الموازنة فتراجعها، ولو سريعاً، لتعيدها من جديد الى مجلس النواب لإقرارها”.

ولكن، لماذا لم يذهب حزب “القوات” في خيار تعطيل النصاب؟ يقول جعجع في حديث لموقع الـ”mtv”: “تعطيل النصاب غير ممكن، فالأكثريّة النيابيّة تملك، على الأقلّ، القدرة على تأمين حضور سبعين نائباً، ومنع النواب من الوصول صعب في ظلّ التدابير التي اتّخذها الجيش والقوى الأمنيّة، كما أنّ هدفنا ليس إلغاء المؤسسات بل تحسين وضعها”.

ويضيف: “وجود الناس في الشارع منذ 17 تشرين الأول عامل مهمّ جدّاً، ولولاه لما تحقّق شيءٌ، ولكن هناك ساحات أخرى من ضمنها ساحة مجلس النوّاب التي علينا أن نستفيد منها لرفع الصوت، ونحن نتماهى مع نظرة الناس لناحية توصيف الوضع ومسؤوليّة الأكثريّة النيابيّة والوزاريّة في إيصال البلد الى ما وصل إليه وعدم اتّخاذ التدابير اللازمة للخروج من هذه الأزمة بل الاستمرار في النهج نفسه، في وقتٍ يتلهّى هؤلاء في البحث عن وجود دوافع خارجيّة وراء نزول الناس الى الشارع”.

ويلفت جعجع الى أنّ “هذه الأكثريّة أوصلت حكومةً جديدة في الشكل، ولكنّها لا تختلف في المضمون عن الحكومة السابقة، والبعض أتى بمستشاريه بدلاً منه، وخيبة الأمل الكبيرة كانت في البيان الوزاري. وإذا كنّا نحمل التوصيف نفسه للواقع، مثل الناس، فإنّ من واجبنا كقيادات وقوى سياسيّة أن نترجم ذلك الى خطواتٍ عمليّة، فكانت استقالة وزرائنا من الحكومة والمشاركة في الحراك تحت سقف هذا الحراك، والخطوة التالية هي دعوة نوّابنا للمشاركة في جلسة الثقة وليتابعوا العمل الذي بدأناه منذ 17 تشرين”.

وسئل جعجع: ألا يشكّل موقف حزب الكتائب اللبنانيّة بمقاطعة الجلسة إحراجاً لكم؟ يجيب: “أبداً، و”الله يوفّقن” بالموقف الذي يتخّذونه، وهذه المواقف تصبّ كلّها في خانة واحدة ولكن وفق أساليب مختلفة، وأكرّر أنّ ما يحصل في الشارع مهمّ جدّاً ولكنّه ليس وحده من ينقذ لبنان، بل ما ينقذه هو ترجمة مطالب الناس من قبل قوى سياسيّة”.

ويتابع: “كلّما زاد عدد النوّاب أصبح نيل الثقة أصعب، ما يعني أنّ خيار المقاطعة يضرّ ولا يفيد، من هنا فإنّ مقاطعة “الكتائب”، ولو أنّ نيّته ليست كذلك، تساعد في نيل الحكومة الثقة”.

ويتحدّث جعجع، ردّاً على سؤال، عن الدور الذي أدّته القاعدة “القوّاتيّة” في الفترة الأخيرة في اتخاذ تكتل “الجمهوريّة القويّة” لبعض القرارات، لافتاً الى أنّ “القاعدة كانت حاضرة معنا عند اتخاذ عدد من القرارات، وأهمّها عدم تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، مع التأكيد أنّ هذه القاعدة تتأثّر أيضاً بقرارات القيادة الحزبيّة والتكتل الذين يملكون معطيات ومعلومات تتيح لهم اتّخاذ القرارات المناسبة”.

ويستطرد جعجع: “أظنّ أنّ القاعدة “القوّاتيّة” قدّمت خدمةً للحريري لأنّ تراكمات عشرات السنين و”خنفشاريّات” السنوات الثلاث الأخيرة “رح يبجّوا بوجّ” أيّ حكومة جديدة، إلا إذا كانت حكومة استثنائيّة، وللأسف الحكومة الحاليّة ليست استثنائيّة بشيء، وما رأيناه منها حتى الآن لا يبشّر بالخير”.

ويكشف جعجع عن اتصال رئيس الحكومة حسان دياب به، لمعايدته بعيد الميلاد، “فقلت له: دولة الرئيس نحن لا نعرفك، ومفتاح النجاح هو أن تكون مستقلّاً وأن تقوم بشيءٍ مختلف، ولكن للأسف لم نرَ ذلك حتى الآن، والمشهد في جلسة الموازنة كان مخيّباً، ماديّاً ومعنويّاً”.

هل يعني ذلك أنّ الأزمة مستمرّة، أقلّه حتى موعد الانتخابات النيابيّة المقبلة؟ يردّ جعجع: “ليس بالضرورة، وما من أحدٍ يعلم ما هي التطورات التي ستحصل”. ويسأل: “من كان يتوقّع أن يأتي مار مارون لنجدتنا؟”، ثمّ يضيف: “العظة التي ألقاها المطران بولس عبد الساتر في عيد القدّيس مارون ليست حدثاً عابراً، خصوصاً أنّها قيلت أمام المسؤولين في الدولة، وتحديداً أمام المسؤول الماروني الأوّل، وهي تشبه ما يقوله كثيرون في السرّ وتعبّر عن مواقف ثلثي الشعب اللبناني على الأقلّ”.

يجزم جعجع، ردّاً على سؤال، بعدم وجود تواصل مع التيّار الوطني الحر. يقول: “حصل لقاءٌ منذ فترة لأسباب غير سياسيّة، إلا أنّ التواصل الذي تمّ في السابق أتى بنتائج عكسيّة و”مين جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب”. وجميعنا يذكر الاحتفاليّات بهذه العلاقة بيننا وبين “التيّار” والأغنيات الشعبيّة والاجتماعات بين القواعد، كما أقيمت لابراهيم كنعان وملحم الرياشي زياحات في مختلف المناطق، وقلنا إنّ ما من شيءٍ سيعيد التاريخ الى الوراء، ليتبيّن أنّنا بتنا نعيش في أسوأ مرحلة في تاريخ لبنان”.

وماذا عن التواصل مع رئيس الجمهوريّة، واللقاء اليتيم الذي حصل بعد 17 تشرين بين الرئيس ميشال عون وموفدَين لجعجع؟ يجيب: “كان اللقاء من باب رفع العتب”.

تستمرّ العلاقة بين القوّات اللبنانيّة وتيّار المستقبل بـ “الحدّ الأدنى”، وفق توصيف جعجع الذي يؤكّد مشاركة “القوات” في ذكرى 14 شباط، في حين تبقى مشاركته رهن عوامل عدّة في طليعتها العامل الأمني.

ويشير الى أنّ “ما من تنسيقٍ سياسيّ حاليّاً مع “المستقبل”، والوضع القائم أكبر من أيّ أمرٍ آخر”.

ونسأله: “هل ما أبعدكم عن “الوطني الحر” هو نفسه ما أبعد “المستقبل” عنه؟”. يجيب: “أعتقد ذلك، ولو أنّ باستطاعة حزب الله أن يبتعد عنه لفعل ذلك أيضاً، ولكنّ اعتباراته الاستراتيجيّة هي التي تبقيه الى جانب “التيّار”.

ويتابع: “حصلت عشرات المحاولات لإبعاد الوزير جبران باسيل عن وزارة الطاقة، إلا أنّه رفض ذلك. وحتى “في عزّ دين” الانتفاضة الشعبيّة أصرّ على وزارة الطاقة”.

سئل: ما هو سبب تمسّكه بها؟ يجيب: “هناك استفادة منها”. ويلفت الى أنّ “ما فعله نوّاب “القوات” في مؤتمرهم الصحفي الأخير خطوة أولى من بين خطوات كثيرة، وسيتمّ الإدّعاء على وزارة الاتصالات ومؤسّسة كهرباء قاديشا اللتين رفضتا تسليم معلومات، وسنتابع هذه المهمّة مع تصويبنا على الجميع من دون تمييز، على أن نتابع كلّ ملف حتى النهاية”.

وعن خيار الانتخابات المبكرة يقول جعجع الى أنّ “الأولويّة هي لوقف التدهور الحاصل، لأنّ التحضير للانتخابات المبكرة يحتاج الى ستّة أشهر على الأقلّ، ولكن إذا وجدنا أن لا أمل بوقف هذا التدهور سنركّز على الدعوة الى انتخابات مبكرة”.

وختم: “نكرّر المطالبة بخطواتٍ إنقاذيّة سريعة، أوّلها وأسهلها العودة عن توظيف 5300 موظّف في القطاع العام لأسبابٍ انتخابيّة، ما يوفّر 61 مليون دولار في السنة، ثمّ إلغاء المعابر غير الشرعيّة التي يتمّ عبرها تهريب البضائع. هذان قراران لا يحتاجان الى جهدٍ كبير، في حين تبحث الحكومة في بيانها الوزاري عن إنشاء أكاديميّة الإنسان والحوار والتلاقي!”.

وقال عن “الانتفاضة”: “التسمية المناسبة لما يحصل اليوم هو “الانتفاضة الشعبيّة”. الانتفاضة لا تخطئ وليس المطلوب منها أن تضع خططاً، وحبّذا لو انتفض الناس في الانتخابات النيابيّة الأخيرة. الانتفاضة في بداياتها وستستمرّ حتى تحقيق التغيير المطلوب”.