معراب في 01-05-2019

أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “القوات اللبنانية” هي من اكثر الأحزاب عماليةً في لبنان لأنها تطالب بالخطوات الاصلاحية الفعالة، وتقدم الدراسات الواحدة تلو الأخرى من اجل تقويم الوضع في الدولة وتفعيل الدورة الاقتصادية وتحسين واقع العمال والموظفين وذوي الدخل المتوسط والمحدود”، مشيراً إلى أن “القوات هي اكثر حزب يتماهى مع قضايا العمال والشعب، ولو من دون ضجيج او غوغاء، لأنها ابنة هذا الشعب ومرآةٌ له”.

كلام جعجع جاء خلال لقاء نظّمته مصلحة النقابات في حزب “القوّات” في المقرّ العام للحزب بمناسبة عيد العمّال وتحت عنوان “كرامة العامل اللبنانيّ”، في حضور وزير العمل كميل أبو سليمان، النائب جورج عقيص، رئيس الإتحاد العمال العام د. بشارة الأسمر، عدد من رؤساء إتحادات ونقباء وأعضاء مجالس في نقابات، الأمين المساعد لشؤون المصالح د. غسان يارد، الأمين المساعد لشؤون الإدارة جورج نصر، رئيس مصلحة النقابات إيلي جعجع، عدد من أعضاء المجلس المركزي في “القوّات” وحشد من الرفاق من مختلف دوائر وخلايا مصلحة النقابات.

وكان قد استهل جعجع كلمته بالقول: “لقد شاءت الظروف أن يغادرنا اليوم أحد عمال “القوّات اللبنانيّة” الأساسيين، وهو كان عاملاً على طريقته أي بالنضال والمقاومة والقتال على مدى سنوات وهو رفيقنا أمين نجم، فأمين استمر بحياته عن طريق الخطأ لأنه منذ 30 أو 40 سنة لم يكن ينوجد إلا أين وجد الموت لذا أتمنى أن ينتبه على “القوّات” من عليائه كما كان ينتبه عليها وهو هنا”.

وذكّر جعجع أنه “كرّر في مرّات عدّة خلال تشكيل الحكومة أن لا حقائب حكوميّة حقيرة وقد أتى اليوم الوزير أبو سليمان ليثبت هذا القول بالفعل، فبعد أن كانت وزارة العمل تعتبر أنها هاشميّة فقد أتى الوزير أبو سليمان ليغيّر هذه النظرة”.

ولفت جعجع إلى أن “الوضع الإقتصادي الذي وصلنا إليه اليوم في البلاد هو بطبيعة الحال بسبب أحد ما كما أنه من المؤكد أيضاً أن لا علاقة للقوّات بهذا الأمر وكان بإمكاننا بكل سهولة أن ننادي مع المنادين وننتقد مع المنتقدين لنقول أنه يجب أن يسجن السارقون ويجب ان يُسترد المال العام وهذا الكلام بأجزاء منه صحيح إلا أننا في هذه الحال نكون نتناسى أمراً واحداً مهماً جداً وهو أن النار تنضرم في المنزل”، مشيراً إلى أن هذا ليس نهج حزب “القوّات” ولن نقبل الإنتظار حتى سقوط القسطنطينية ونحن ننتظر للوصول إلى خواتيم البحث عمن هو مسؤول ومن ليس مسؤولاً لذا أريد أن أوجه كلمة لكل من يقومون بالتحركات في الشارع اليوم لأقول إننا مع مطالبهم إلا أن ما يقومون به من الممكن ان يودي بنا إلى خسارة كل شيء باعتبار أن الأهم اليوم هو إطفاء النار التي من الممكن أن تحرق المنزل بأكمله”.

وقال: “يا عمّال العالم، اتحدّوا، ولكن ليس لإثارة الانقسامات والصراعات الطبقية، وإنما لما فيه خير المجتمع واقتصاده ونموه وازدهاره، وخير العمال وارباب العمل والمواطنين جميعاً. ليس بالعمل وحده يحيا الانسان، بل بالحرية والمبادرة الفردية والأخلاقيات العالية والمجتمع المزدهر المتقدم المتطور، فمن دونها يفقد العمل الكثير من القيمة والقدسية ويصبح مجرد وسيلة لغاية بحت مادية، ومن دونها يفقد الانسان الكثير من مكانته”.

ولفت إلى أنه “صحيحٌ ان العمل يبدأ كنشاطٍ فردي يقوم به الإنسان من اجل تحقيق هدفٍ معيّن يعود عليه بالمنفعة المادية والمعنوية الخاصة، لكنه يقود في نهاية المطاف الى نتائج جماعية تعود بالمنفعة العامة على المجتمع ككل، لناحية تعزيز نموّه، وزيادة دخله القومي، ومن ثمّ تطويره انطلاقاً من النجاحات التي يحققّها افراده في العمل ولكن ايضاً في رأس المال وفي التجارة والصناعة والزراعة والعلم وإدارة المجتمع ككل”. وقال: “إن العمل الذي يقوم به كل عامل على حدة يبدأ منه ومعه وله، مهما كان هذا العمل صغيراً او متواضعاً، ولكنه ينتهي بأن يصّب في المصلحة العليا لاقتصاد الدولة، تماماً مثلما تلتقي الروافد والسواقي في مجرى النهر الأساسي ، وبقدر ما يكون العامل الفرد ملتزماً ونزيهاً ونظيفاً وجادّاً وصاحب ضمير في عمله، بقدر ما يكون مردود ذلك ايجابياً على تقدّم المجتمع وازدهاره ونموّه الاقتصادي. الاقتصاد السليم بالعامل السليم”.

وأشار جعجع إلى أن “البعض نصّب نفسه بنفسه ناطقاً باسم العمال والحركات العمّالية منذ زمنٍ بعيد، وحاول احتكار العمل والعمّال وكأنهم حق حصري له، ولكن من دون ان يقدّم للعمال سوى الاخفاقات تلو الاخفاقات تلو الاخفاقات. فالأنظمة التي قامت على الاقتصاد الموجّه تحت شعارات العدالة الاجتماعية والثورة على الطبقية والقضاء على البورجوازية، ما لبثت ان وضعت قضايا العمل والعمّال جانباً وانقلبت انظمةً بوليسية قمعية، فكانت النتيجة نكبةً للحرية وللإقتصاد وللعمل والعمّال وللمجتمع سواء بسواء، تلاه لاحقاً انهيارٌ اقتصادي كبير كان السبب الأول في سقوط هذه الأنظمة. إن التاريخ يسير الى الأمام، ومن جرّب مجرّباً سار بعكس التاريخ، وفي حالة لبنان بعكس الجغرافيا والطبيعة ايضاً”.

وشدد على ان “اهم الاقتصادات الناجحة في العالم لا تقوم على اي ايديولوجية اقتصادية جامدة، يتم إسقاطها على المجتمع وتوجيهه بها من فوق، وإنما على جدلية المجتمع والاقتصاد بحيث يكون الاقتصاد انعكاساً ومرآة لحاجات ومتطلبات وتطلعات وطبيعة المجتمع بكل اطيافه وشرائحه وطبقاته. ان الأنظمة التي اعتمدت الاقتصاد الموجّه واقامت سلطتها وبنيانها ووجودها على الشعارات المطلبية للعمال بالأساس، كانت اكثر من ظلم الطبقة العمّالية وهضم حقوقها فكانت اجور العمال فيها هي الأدنى، وحقوقهم هي الأقل، وحضورهم هو الأكثر صورية، وحريتهم هي الأنقص، نسبةً لما كانت عليه حال الطبقة العمّالية في انظمة الاقتصاد الحر. فكم من الشعارات أطلقت وتطلق كل يوم بإسمكم أيّها العمّال وأنتم منها براء”.

وأوضح أن “القوات اللبنانية” هي من اكثر الأحزاب عماليةً في لبنان، ولأنها كذلك فهي تطالب بالخطوات الاصلاحية الفعالة، وتقدم الدراسات الواحدة تلو الأخرى من اجل تقويم الوضع في الدولة وتفعيل الدورة الاقتصادية وتحسين واقع العمال والموظفين وذوي الدخل المتوسط والمحدود”، مشيراً إلى ان “القوات هي اكثر حزب يتماهى مع قضايا العمال والشعب، ولو من دون ضجيج او غوغاء،  لأنها ابنة هذا الشعب ومرآةٌ له، ولأنها في فترة انهيار مؤسسات الدولة حملت همّ العمال والكادحين كما المواطنين جميعاً في قلبها وضميرها، وبادرت الى انشاء مؤسسات اجتماعية عديدة تعنى بمساعدة العمال والمجتمع وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم، من دون ان تعلنها ثورةً على ارباب العمل والطبقة الرأسمالية وحرباً على طواحين الهواء. لقد اعلنتها ثورة ومقاومة ضد الاحتلال، لأن القضية منذ العام 1975 لم تكن صراعاً طبقياً مرّ عليه الزمن منذ ثورة طانيوس شاهين في العام 1858، وإنما نضالاً وجودياً ضد الاحتلال والتوطين ومصادرة القرار الحر وتهديد كيانية الوطن، وهذا ما يحتّم توفير مقومات البقاء والصمود للعمال وللمجتمع في معرض مسيرة التحرير، وهو ما قامت به القوات بكل اندفاعٍ وقناعة، وما زالت”.

واستطرد: “إنّ من يستغّل الم العامل الشريف ومعاناته وعرق جبينه من اجل تحقيق اهدافٍ شخصية ضيقة وغير شريفة أو أهداف ومرام أيديولوجية أو سياسية لا علاقة لها لا بمجتمعنا ولا بعمّالنا، هو يحاول مصادرة قرار العمال ولا يبالي بمصالحهم الفعلية والموضوعية والحقيقية، ولا يهمّه سوى إشعال سيجارته، حتى ولو تسبب ذلك في حريق الإقتصاد، وانهيار الوطن، وإعاقة الدورة الاقتصادية، وتشريد العمال من اعمالهم. إن الأزمة الإقتصادية الحادة التي يمر بها لبنان، ليست ازمة عمّالٍ فحسب، بل ازمة الجميع عمالاً وارباب عمل وجامعيين ومزارعين واصحاب مهنٍ حرة ومجتمعاً بأكمله، لا بل ازمة دولة بكاملها،  فكم من مؤسسةٍ وشركةٍ يملكها ارباب عمل اقفلت او افلست في الآونة الأخيرة، وكم من جامعي هاجر من لبنان بحثاً عن مستقبلٍ افضل، وكم من صاحب مهنةٍ حرّة يعاني الركود والشلل في مهنته، وكم وكم وكم…”.

ولفت إلى أن “العمال هم حلقة من الدورة الاقتصادية متّصلة بحلقاتٍ أخرى، واذا لم تكن كل حلقةٍ من هذه الحلقات على ما يرام كانت الحلقات كلّها على غير ما يرام. فماذا ينفع العمّال مثلاً لو ضاعفوا رواتبهم ومردودهم المادي، وخسروا قدرتهم الشرائية؟ وماذا ينفعهم لو حصّلوا كل ما يطالبون به من ارباب العمل، وأفلس هؤلاء الأرباب. إن الاعتدال في طلب المكاسب او الامتيازات من اجل المحافظة على الحقوق الأساسية واستمراريتها، هو ربحٌ وليس خسارة، لأن البديل المطروح قد يكون خسارة الامتيازات والحقوق على حدٍ سواء، وذهاب العامل الى بيته والوطن الى المجهول”.

وتابع: “من هنا، وفي عيد العمال بالذات، المطلوب ان يكون العمال بخير وبحبوحة، ولكن مستحيل ان يحصل ذلك من دون ان يكون الجميع معهم بخير وبحبوحة ايضاً. المطلوب لا ان يفكّر العمال بمصالحهم الآنية فحسب، بمعزلٍ عن الوضع الاقتصادي الأوسع وتداعيات ذلك عليهم لاحقاً، بل ان يفكّر الجميع بمصالح الجميع حتى يسير الاقتصاد اللبناني ككل ويتقدّم بشكلٍ ثابت ومتوازن تحقيقاً لمصالح الجميع وفي طليعتهم العمّال”.

وتطرّق جعجع إلى العلاقة مع أرباب العمل، وقال: “ان علاقة العمال بأرباب العمل ليست علاقةً تصادمية، كما يريدها البعض ويحلو له تصويرها، بل هي علاقة تكاملية تفاعلية تناسقية. إن قوانين العمل في الدول المتقدمة هي التي تكفل حقوق العمال وتحدد واجبات ارباب العمل وتضع قواعد العلاقة بينهما، من دون الحاجة الى ان يكون العمال في مواجهة ارباب عملهم، فيصبح العامل خصماً لرب عمله والعكس صحيح ايضاً، عوض ان يكون طرفا الانتاج على وئامٍ وتكاملٍ وتضامن لما فيه خير المجتمع ككل”.

وتابع: “إن الظروف التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لجهة استغلال ارباب العمل للعمال، والظروف غير الانسانية التي احاطت بالعمال، وادّت الى ما ادّت اليه لاحقاً من ظهور حركاتٍ ثورية تحولّت لاحقاً الى ثورجية واستبدادية وديكتاتورية، إن هذه الظروف غير الانسانية قد انتفت اليوم في ظل قوانين العمل، والضوابط القانونية، والتطور الانساني، والتحوّل الذي طرأ على وسائل وادوات وطبيعة الانتاج، ولم يعد ارباب العمل هم الشّر الذي لا بد منه للعمال، وإنما احد اطراف الانتاج والشريك الطبيعي في الدورة الاقتصادية السليمة”.

واستطرد: “لا عمّال بدون ارباب عمل، ولا ارباب عمل بدون عمّال، فالواحد منهما مرتبط بالآخر ارتباطاً عضوياً تماماً كالأوعية المتصلّة، وكلاهما مرتبط بدوره بالمجتمع ومتأثر فيه، فاذا انخفض مستوى واحد من هذه الأطراف انخفضت مستويات الأطراف الثانية، واذا ارتفع مستوى واحد منها ارتفعت مستويات الباقين. إن ما يضمن مستقبل العمال هو دورة اقتصادية متكاملة، وادارة في الدولة خالية من الهدر والفساد، ونظام اقتصادي ناجح ومتطور ومرن، يوائم بين حرية المبادرة الفردية وحاجات اقتصاد السوق، وبين العدالة الاجتماعية والنظام الضريبي المتطور من جهةٍ ثانية. إن المزايدات ورفع السقوف والمجادلة في جنس الملائكة لا يفيد لا العمّال ولا أرباب العمل ولا الاقتصاد ولا الملائكة”.

وشدد على أن “المطلوب اليوم هو التشخيص الدقيق لمكامن المشكلة الإقتصادية وللعجز الهائل في الخزينة، من اجل إيجاد العلاج المناسب لها، ومكامن العجز برأينا وبرأي الغالبية الساحقة من اللبنانيين تتمحور بشكلٍ اساس حول قصور إدارة الدولة وعدم كفاءتها من جهة، والفساد المعشعش في زواياها من جهة ثانية. إن المطلوب اليوم مجموعة خطوات إنقاذية سريعة، ظهرت اولى بوادرها مع خطة الكهرباء التي نتمنّى ونطالب بتنفيذها كما يجب لأنّ عجز الكهرباء وحده يشكّل حوالي ثلث عجز الموازنة السنوي، والتي سيليها الشروع في محاولة الوصول الى موازنةٍ تقشفية إصلاحية متوازنة يموت فيها ديب الفساد والهدر ولا يفنى الشعب الكادح، موازنة ثورية إنما ثورتها بيضاء، لا حمراء، ولا سوداء، تعطي ما للدولة للدولة وما للشعب للشعب، موازنة ثورية رؤيوية ارقامها تحاكي الواقع والموضوعية والمتوقّع، لا الغيبي والافتراضي والمتخيّل”.

وتوجّه جعجع إلى الشعب اللبناني، بالقول: “اعرف بأن الشعب غير مسؤول عن وصول الأوضاع الاقتصادية الى ما وصلت اليه ولا يتحمّل تبعات موازنةٍ تقشفية فرضها عليه سلوك اقليةٍ فاسدة مستهترة غير جديرة بتحمّل مسؤولية شعبٍ ووطن، لكن هذه الأقلية أو الأكثريّة زائلة، والشدّة ستزول، وشعب لبنان باقٍ باقٍ باقٍ. اما كيف تزول هذه الأقلية الفاسدة، فالطريق سهل جداً وعنوانه صناديق الاقتراع، ومن ثم صناديق الإقتراع ومن ثم صناديق الإقتراع وهذا ما لفتنا نظر اللبنانيين اليه قبل الانتخابات الأخيرة، ولكن بعض الناس للأسف كانوا في ايام الحصايد يغنون قصائد، واليوم لا يجدون سوى اصابعهم واصابعنا يأكلونها ندماً. علّ وعسى ان يكون هؤلاء الاشخاص وسواهم اكثر تشدداً ووعياً ومحاسبةً في الانتخابات القادمة للحؤول مستقبلاً من دون الوقوع في خطأ خيارات الانتخابات السابقة”.

وتابع: “إن الشعب اللبناني مدعو اليوم للوقوف وقفة عز وعنفوان كما عودّنا على ذلك في ساحات البطولة والشرف، فالوضع الراهن لا يقّل عن الظروف السابقة خطورةً وحساسية، واللبناني عبر تاريخه النضالي المديد لم يتلكّأ في الاندفاع بكل شجاعة لحل اي ازمة تعترض طريق لبنان، حتى ولو لم يكن مسؤولاً عن نشوئها بالأساس. تخيلّوا مثلاً لو ان الشباب اللبناني لم يندفع لمقاومة الاحتلال والتوطين في العام 1975 رافضاً الانخراط في عملية إنقاذ لبنان، مكتفياً بانتقاد الطبقة التي اوصلت لبنان الى تلك الحال حينها وتحميلها المسؤولية، فماذا كان ليحّل بلبنان وبالأجيال الحاضرة والآتية؟ إن الأمر ذاته ينطبق على الوضع الإقتصادي الراهن اليوم. فإذا طمرنا رؤوسنا في التراب وتلكّأنا عن إقرار موازنةٍ اصلاحية تقشفية ثورية، فسيأتي البنك الدولي الينا في القريب العاجل لإقرار وتنفيذ موازنته الخاصة وإنما على الطريقة غير اللبنانيّة والفظّة. فلنحافظ على روح المسؤولية والسيادة والكرامة الوطنية، ولنقم بهذه الخطوة على مشقتّها، بإرادتنا الذاتية، افضل من ان تفرض علينا فرضاً ولكن بعد خراب البصرة”.

وختم جعجع: ” في عيد العمال، تحية الى العمال والى ارباب العمل ايضاً. تحية الى كل أمٍّ عاملة وابٍ عاملٍ يكدحان ويجالدان ويجاهدان حتّى يؤمّنا حياةً كريمةً لعائلتهما ، تحية الى كل عاملٍ ثيابه متسخّة لكن كفّه نظيفة، والى كل عاملٍ يحتّم عليه عمله ان ينحني او يستلقي على الأرض ولكن كرامته تبقى مرتفعة دائماً الى العلى، تحية الى كل عاملٍ يقارب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد بتجرد ومسؤولية، فلا ينجّر خلف الشعارات الشعبوية، ولا يعطي اذنه لغير صوت الحق والضمير والموضوعية، ويعمل لنهوض وطنه كأنه يعيش ابداً، ويصبر على معاناته كأن الأزمة الاقتصادية ستنتهي غداً. كونوا اكيدين بأنه كلما كانت ظروف العمل والمجتمع صعبة وشاقّة، كلما امتحنت صلابة العامل وجديته كما يمتحن الذهب بالنار، إن الله لا يلقي بالأعمال الصعبة الا لأقوى عمّاله وجنوده”.

من جهته ألقى وزير العمل كلمة قال فيها: “الكرامة من اقدس المقدسات، ويوم استبيحت كرامة الوطن قامت “المقاومة اللبنانية” بتقديم التضحيات في سبيل صونها وقدّمت الشهداء. وكما في الحرب كذلك في السلم، “القوات اللبنانية” حريصةٌ على كرامة لبنان وابنائه، وهذا ما نسعى اليه في وزارة العمل. ففور تسلمي مهامي بدأت العمل على اكثر من محور”.

ولفت أبو سليمان إلى أن “كرامة العامل تكون مصانة حين يستفيد من افضل خدمات الضمان الاجتماعي من دون هدر الوقت او التأخر في سداد مستحقاته، لذا نعمل على إعادة تكوين مجلس إدارة الضمان واللجنة الفنية، وتدقيق الحسابات المالية منذ العام 2011 وتخفيف الشغور وتعزيز المكننة والسعي لتحصيل مستحقات الضمان لدى الدولة اللبنانية. ومن حق العمال علينا ضمان شيخوختهم. كرامة العامل أن يكسب راتبه من عرق جبينه، ولكن كيف له ذلك واليد العاملة الاجنبية تنافسه بشدة. من هنا، نسعى لخلق فرص عملٍ للبنانيين ولوضع ضوابط لليد العاملة الاجنبية ومكافحة اليد العاملة غير الشرعية ومن بينها اليد العاملة السورية، خصوصاً في ظل ازمة النزوح التي ترتب اعباءً كبيرةً على لبنان”.

وأوضح أن “هناك فقط نحو 5 الاف اجازة عمل لسوريين صادرة عن وزارة العمل!!! فيما مئات الالاف يعملون في لبنان بطريقة غير شرعية. إننا أبعد ما نكون عن العنصرية وحريصون على احترام حقوق الانسان، أي انسان، ولكن لا يمكننا الاستمرار بهذه الفوضى على صعيد اليد العاملة السورية، لذا وضعنا خطة لضبطها. نعلم ان الامر ليس بالسهل، ولكن لا يمكننا الإستسلام. لقد بدأت التواصل مع عدة اطراف والتنسيق مع الوزارات المعنية لتطبيق هذه الخطة”.

وشدد أبو سليمان على أن “كرامة العامل أن يحصل على حقوقه من دون منّة في ظل تزايد الصرف التعسفي، وان يخضع لقانون عمل يحميه ويواكب تطور المفاهيم المرتبطة بالعمل اللائق وبضمان سلامة العمل. من هنا، نعمل على اعادة النظر بقانون العمل الذي مضى على وضعه اكثر من 70 عاما، وآخر تحديث أدخل عليه عام 2000، وهو قانونٌ يميز بين الرجال والنساء”.

وتابع: “انا آتٍ الى معراب مباشرةً من السراي حيث بحث مشروع الموازنة. أتفهّم مخاوف اللبنانيين من الاجراءات التقشفية التي ستتخذ، وأؤكد اننا كوزراء القوات اللبنانية نسعى لأن تكون الموازنة ستكون سلةً متكاملةً وان تطبق أي إجراءات تقشفيّة بشكلٍ نسبيٍ وتصاعدي وتشمل كل الاطراف بحسب قدراتها. فتداعيات الازمة الاقتصادية والمالية ستطال الجميع اذ لم نسرع الى المعالجة ولا خيار امامنا الا ان نتشارك جميعاً في انقاذ البلاد من الازمة الصعبة التي يمر بها. لذا من الملح أن يقوم حوار إجتماعي بين العمال والحكومة قبل اتخاذ أي إجراءات تمس بهم وأنا أقوم بنقل هواجس العمّال إلى مجلس الوزراء وسيصار إلى الإستماع إليهم من قبل وزير المال غداً”.

وأوضح أننا “كـ”قوات لبنانية “حريصون على المال العام وعلى محاسبة كل الفاسدين الذين نهبوا خيرات الوطن ومال ابنائه واوصلوا لبنان الى هذا الوضع الاقتصادي الصعب. تقولون: عوض وضع موازنةٍ متشددةٍ، فلنحاسب من هدر ونهب المال العام. انا معكم، من غير المقبول القول “عفى الله عما مضى”، وليحاسب كل الفاسدين الذين اوصلوا البلاد الى هذا الوضع الاقتصادي الصعب، ولتتخذ اجراءاتٌ قضائيةٌ وقانونيةٌ لاستعادة المال المنهوب. وهذا يجب ان يتم من قبل قضاة مشهودٌ لهم بالنزاهة، وليس عبر الشعارات والمزايدات من قبل من اوصلوا البلاد الى حالها اليوم. ولكن محاسبة الفاسدين واستعادة المال المنهوب ليستا الحل البديل عن التقشف في الموازنة ووقف مزاريب الهدر”.

وختم: “في الاول من ايار، لن اطلق الوعود، بل اتعهد أن أكون عاملا بكل ما اتيت من قوة في مسيرة صون كرامة العامل اللبناني وحماية حقوقه وتحسين ظروفه”.

وكانت كلمة لرئيس مصلحة النقابات قال فيها: “لا نأكل خبزاً مجّاناً من أحد، فمن لا يريد أن يعمل عليه أن لا يأكل أيضاً. (رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى أهل تسالونيقي). فكّرت فيما يمكن أن أستند إليه ممّا يوضح معنى العمل وقيمته في حياتنا في هذه المناسبة – عيد العمّال- في الأول من أيّار هنا في معراب. فما وجدت أبلغ من بيان بولس الرسول في الفقرة التي إبتدأت بها كلمتي. فالعمل يرتبط بالعيش، ويأخذ معناه منه ويحمل كوسيلةٍ كرامة ما حمله العيش للبشر”.

وأشار إلى أن “العيش الكريم غاية العمل وواهب قيمته ولطالما تاه من لجأ في فهم العمل إلى معادلات أخرى. فالأجر مفردة من مفرداته يفسّره العمل ولا يفسّر العمل. ولطالما سكن العمل تجاذبٌ حادّ وضيّق أضاف على إنحطاط الرغبة بجرّ العمل إلى الكسب، إنحطاط النيّة بخلط العمل بالسلطة، ما يفضي إلى وضعيّة تضرب العمل في معناه ومبناه وغايته، فيغيب بذلك العمل الكريم فتضيع كرامة الحياة ولذّتها، وينحدر الإطار الإجتماعي إلى لجّة من الفساد لا قاع لها”.

ولفت إلى أن “العمل ينحرف عن غايته يوم يختنق كوسيلة في حدود الأجر، إذ يغدو الأجر الشرعيّ رمزاً لتفاهة العمل، مقطوع الصلة عن العيش الكريم ويكون المعبر لثروة الأعمال غير المشروعة والجرائم العاديّة سواءً حملتها حماية من محسوبيّة أو تفلّت في جوّ من اللامسؤولية فيصبح المجرم (كالمهرّب والمرتشي ….) الذي لا يخاف العقاب نمط حياته  الجرميّة موضع فخرٍ وأساس رفاهٍ تحجز له المكانة الإجتماعيّة ومراتب السياسة. هذا ما يجعل العمل الشريف يتضاءل في عينيّ العامل لطرده من جنّة المكانة الإجتماعيّة والثروة فينحدر في نظر العامل كرامةً ومعنى ويعظم هذا الوباء لو أصبح ذا طابعٍ عام أو لو كان طابعاً عامّاً سببه، كما لو إنكسر أو إختلّ التوازن بين مجتمع العمل ومجتمع السلطة، فتسرّب بطريقة غير مشروعة بعض فاعليات العمل إلى السلطة ضارباً قواعد العمل وممتهناً القانون، أو نفذ بعض ممتهني السلطة إلى مجتمع العمل عدواناً فأطاحوا بالحصانات التي ترعاه وتحميه”.

وشدد على أن “حماية كرامة العمل هو شرط وواجب لحماية صحّة الوطن ومستقبله كما أنّ حماية مجتمع العمل هو أساس لإقتلاع ثقافة الفساد وتجفيف آلياته ولا يقوم بذلك إلّا نزاهة ترعى التوازن بين الحقلين وأخلاق وطنيّة تحمي كرامة العمل وألق العيش الكريم”.

واستطرد: “إنّ لبنان وكما قال إرنست رينان وهو أحد المستشرقين الكبار ممّن زاروا لبنان: لقد طفت في بلاد الأرض ووجدت أوطانها تعيش على هبة من الله  وهو صانعها… إلّا لبنان… فما حبته الطبيعة بموردٍ أساسي يعيش منه، فكلّ هذه الأوطان من عمل الله أمّا لبنان فهو البلد الوحيد الذي يمكننا أن نقول أنّه عمل أبنائه. إنّكم لو فتّشتم لما وجدتم قمحاً يزرع في جلول ضيّقة منحوتة  في قلب الصخر قد جلب التراب إليها. إنّكم لو فتّشتم لما وجدتم مجتمعاً عاش لأكثر من ألف عام في مغاور وكهوف وعلى قمم الجبال بين أعشاش النسور. إنّكم لو فتّشتم لما وجدتم حفنة من الرجال تدافع عن الجلول والمغاور والتلال لمئات السنين بنفس الشراسة وبصبرٍ كبير وبجلدٍ فريد. إنّكم لو فتّشتم لوجدتم شعباً ربط العيش بالعمل، عيشاً وعملاً زيّنا كرامة وجود كان لبنان لها عنوان. إنّكم لو فتّشتم لوجدتم وطناً بناه الإنسان، وطناً لا يعرّف بغير اسمه لبنان. نعم، إنّ لبنان لا يفسّر إلّا باللبنانيين، صانعو تاريخه! واللبنانيون لا يعرفوا إلّا بميزة كرامتهم وعنفوانهم، جهدهم وعرقهم، كرمهم وشهادتهم”.

وختم: “وإذ نتطلّع اليوم إلى غدٍ نستأهله على قاعدة التضحيات كلّها، لا يمكننا إلّا أن نستعيد العمل اللبناني كرامةً ومعنىً وقيمةً إجتماعية، بحيث نبني شأناً عامّاً يرعى عدالة إجتماعية لعملٍ عنوانه الكرامة ، ومجتمعٍ خالٍ من آليات الإفساد وثقافتها… لذا نأخذ على أنفسنا عهداً للسّنة المقبلة أن ننجز برنامج قيمة العمل اللبناني ومن كرامة العمل اللبناني جاعلين من هذه السنة، سنة كرامة العمل كما جاعلين من قولنا فعلاً ، فعل حقائق لا كلمات كليّة ولا جزئيّة بل قولنا والعمل في سبيل الكمال”.

واختتم اللقاء في نقاش مفتوح ما بين الحضور ووزير العمل.